يعدّ موسم الحج سجلا ثقافيا هائلا، يضم بين جوانبه مختلف الثقافات الأدبية، ويستوعب تقاليد الحجاج وعادات الأمم والشعوب، من أهازيج وأناشيد منظومة في قوالب قريبة إلى النفس، وملهما للأدباء والشعراء والرحالة والعلماء والمؤرخين الذين قصدوا الديار المقدسة لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، إذ أصبح مكتبة كبرى ليس من السهل أن يحيط بها الباحث في أدب أو ثقافة الحج، وعلى مدى القرون قام عدد من الرحالة بتأدية فريضة الحج، من خلال رحلات متباينة على مدى الألف سنة الماضية، وحظيت هذه الرحلات بعناية خاصة من أصحابها، نتج عنها كثير من المؤلفات.
ويرجع التأليف في هذا الباب إلى القرن السادس الهجري، واشتغال الأدباء به أكثر من اشتغال العلماء، لأن الأدباء يتوسعون في العبارة، ويكتبون عن الحادثة الواحدة صفحات طويلة ماتعة، واتسعت خريطة الكتابة عن رحلات الحج حتى شملت مؤلفين من الأندلس والمغرب، ومصر والشام، والهند واليابان، وتركيا وآخرين من عدة بلاد أوروبية، طبقا لجنسية المؤلف أو مكان إقامته.