قبل عدة أسابيع، كتبت مقالا بعنوان "خيبة أمل آبل في الصين"، وذكرت فيه العراقيل والمصاعب التي وضعتها الحكومة الصينية أمام شركة آبل لتمنعها من منافسة شركات الهواتف الذكية الصينية على حصة السوق الصيني، وكان اختصار المقال أن الحكومة الصينية تسمح بدخول بعض الشركات العالمية إلى السوق الصيني، ولكن لا تسمح لأحد بأن يستغل الفرص الاقتصادية في بلدها، وتسهل كل الإجراءات لشركاتها لأن تنافس الشركات الأجنبية داخل السوق الصيني، وهذا هو ما حدث لشركة أوبر التي تكرر لها ما حدث لشركة آبل في السوق الصيني.
بدأت حكاية خروج شركة أوبر من السوق الصيني منذ البداية، فهي لم تقرأ السوق الصيني بالشكل الجيد قبل الدخول إليه، وكانت تعتقد أن نجاحها الكبير في السوق الأميركي والأوروبي سيكون امتداده في السوق الصيني، ولكنها وجدت نفسها تغطي خسائرها في السوق الصيني من أرباحها في الأسواق الأخرى على أمل المنافسة في المستقبل وتحقيق العوائد، حتى اضطرت قبل أيام قليلة إلى بيع حصتها في السوق الصيني إلى منافسها "ديدي" بمقابل 35 مليار دولار، لم تستمر شركة أوبر لتأجير السيارات عبر التطبيق الإلكتروني طويلا في السوق الصيني حتى تعلن انسحابها وبيع حصتها، فهي بدأت فقط عام 2014، وفي هذا العام بدأت خسائرها أيضا، والذي كشفه ترافيز كالنيك المدير التنفيذي لشركة أوبر، بأن شركته تخسر مليار دولار سنويا بسبب تنافسها الشديد مع شركة ديدي الصينية لتطبيق تأجير السيارات، أنا شخصيا كنت أستخدم التطبيقين بحكم إقامتي في الصين، كنت أفضل استخدام تطبيق ديدي الصيني لسعره المنافس، والذي قد يصل إلى 50% من سعر تطبيق أوبر، وسياراته الجيدة، وسرعة وصوله، وسهولة الدفع، وخدمات ما بعد البيع الجيدة التي تتجاوب مع أي ملاحظة أقدمها ضد السائق أو غيره، وقد أعادت لي مبلغا زائدا تم احتسابه بسبب توقف قائد السيارة لتعبئة الوقود بعد شكوى رفعتها عبر التطبيق بأنه لا يجب أن أدفع المبلغ الذي حسبه العداد أثناء التوقف لتعبئة الوقود، وخلال 24 ساعة وجدت رسالة اعتذار من الشركة مع إعادة المبلغ إلى حسابي.
خروج شركة أوبر هو مجرد تأكيد آخر لسياسة السوق الصيني الذي لا يسمح بتفوق أي منافس أجنبي داخل أراضيه، ويجعله يخرج خاسرا مهما كانت التحديات والمنافسة، وشركة أوبر استوعبت هذا الدرس متأخرا، بعد أن خسرت أكثر من مليار دولار سنويا، وقررت الخروج بشرف بعد اتفاقها على بيع حصتها في السوق إلى شركة ديدي، بشرط أن يكون ذلك على شكل مساهمة تقدر قيمتها بـ0% من قيمة شركة ديدي، وبهذا الخروج تحافظ شركة أوبر على أرباحها في الأسواق الأخرى، والتي تستنزفها منافستها على السوق الصيني، وتستطيع بهذا الخروج الاستمرار في التوسع في الأسواق الأخرى التي لا ينافسها فيها أحد، وتزيد من أرباحها السنوية.
أما شركة ديدي الصينية الفخورة بنجاحها بعد استحواذها على حصة شركة أوبر في السوق الصيني، تستعد لمرحلة جديدة وهي العمل دون منافس، وأعتقد أن هذا سينعكس على الأسعار الرخيصة جدا التي كانت تقدمها في السابق، والتي قد ترى ديدي الآن بعد خروج منافسها، بأنه يجب إعادة النظر فيها ورفعها لتحقيق مزيد من الأرباح.
ديدي لم تنجح فقط في إجبار منافستها الأميركية أوبر على الخروج من السوق الصيني، بل جذبت بنجاحها وتفوقها استثمارا من شركة آبل الأميركية قدره مليار دولار.
الشركات الأميركية مثل أوبر وآبل، تعلن بهذا الخروج أنها لا تستطيع منافسة الشركات الصينية داخل أراضيها، مفضلة جني الأرباح من السوق الصيني عبر مساهمتها في شركاتها الكبرى.
والسؤال هنا: هل استوعبت الشركات العالمية هذا الدرس؟! أم أننا سنرى شركات عالمية أخرى تدخل السوق الصيني وتخرج بخفي حنين.