تعبت بعض الشيء وأنا أفتش عن موضوع أريد أن أكتب عنه مقالي هذا، وقد يكون السبب الرئيسي في ذلك هو الانشغال بأمور، حالت كثيرا بيني وبين أن أجد مساحة مركزة من الوقت، لكي أكتب ما أتمنى أن أكتب، وشخصيا لا أظن أن هذا العارض خاص بي، فكل من يكتب، أو غالب من هذا همه، لا أشك أبدا إلا أنه مر يوما ما بهذه الحالة، من جملة أحوال ومشاعر كثيرة يعرفها المهتم بالكتابة..
مشاعر الكاتب عندما يكتب لا يمكن إجمالها بسهولة؛ فهناك من يكتب لكي يقرأ الآخرون ما يكتبه، وهناك من يكتب لكي يؤثر في غيره، وهناك من يكتب لأغراضه الخاصة، وهناك من يكتب ليثير من حوله، وهناك من يكتب لأجل أن يفكر غيره، وهناك من يكتب لأنه فقد الأمل في التغيير، وهناك من يكتب لأنه يعتقد أن الكتابة تحدث توازنا بين الناس، وهناك من يكتب لأجل أن يعرِّف بنفسه، وهناك من يكتب لأنه تعيس، وهناك من يكتب لأنه سعيد، وهناك من يكتب لأن الكتابة تريحه، وهناك من يكتب لكي لا يفقد التواصل مع من حوله، والقائمة وإن كانت أطول مما ذكرت، إلا أنها ستنتهي حتما بأن الكاتب الحق هو الموقن بأن إرضاء القرَّاء ليس بغاية حتى تُدرك؛ فالكاتب الحقيقي هو ذلك الذي يكتب لكل الفئات، ولكل الجماهير، وهو ذلك الكاتب الذي يتمسك بالحقيقة، ويكتب عنها بأسلوب حكيم..
عودا على بداية المقال.. لا بد لأي كاتب يريد أن يكتب أن يحاول أن يوجد لنفسه بيئة مريحة تساعده على الكتابة، وأن تكون هذه البيئة منعزلة أثناء الكتابة عن كل ما يمكن أن يكون مصدر تشويش؛ فالكاتب الفذ هو الذي لا يبخل عن الكتابة بوقته، ولا يبخسها حقها، ولو بالصمت، والتأمل في الورقة، أو شاشة الحاسوب، وأختم بتأكيد شهير لأحد أشهر الكتاب العالميين، واسمه (ستيفن كينغ)، له مذكرات رائعة عن الكتابة، ضمنها كتابه (On Writing ـ حول الكتابة ـ )، طبعه في بداية هذا القرن، ومزج فيه بين كتابة المذكرات، ونصائح عن الكتابة: كيف عاش طفولته، حتى وصوله إلى المرحلة الثانوية، وعمله حارسا في المدرسة، واللحظة التي باع فيها أولى رواياته، وغير ذلك، ومما ذكره مما يناسب مقالنا هذا نصيحته لأي كاتب محترم يريد أن يكون له شأن؛ بأن تكون الكتابة نشاطا حميميا بينهما، وأن يضع الكاتب مكتبه في زاوية الغرفة، وأن يبعد عنه كل ما يمكن أن يشغله، من الهاتف إلى النوافذ المفتوحة، وأن يكتب وبابه مغلق، ثم يمر على الذي كتبه، وبابه مفتوح.