تبذل إدارة مراقبة التعديات في البلديات جهدا كبيرا في مراقبة تعديات المواطنين وإزالتها، ولعل ذاكرة أحدنا لا تخلو من مشهد إزالة لحوش أو حتى منزل؛ قيل إن صاحبه كان قد اعتدى على أراضي الدولة من طرق عامة وحدائق وغيرها، وقد شاهدت مثل ذلك في طفولتي في أحياء شعبية بسيطة، وفي قرى نائية، وفوق رؤوس الجبال.
وقبل عدة أشهر تناقل نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد لتعديات كبار التجار ورجال الأعمال على أراض حكومية وطرق وشوارع عامة، وأثيرت آنذاك زوبعة قوية ظهرت أصداؤها في الصحف الورقية والإلكترونية، واتفق الجميع على ضرورة إزالة تلك التعديات ورفع أيدي التجار عنها.
تلك الدعوات تمخضت عن إعلان إمارات بعض المناطق إزالة التعديات وإعادة الطرق المستولى عليها إلى المواطنين لينتفعوا بها؛ لأنها إنما وضعت وأسست من أجلهم جميعا، وهم في حق الانتفاع بها سواسية، ولا فضل لرجل الأعمال على غيره.
هذا الجهد تشكر عليه إمارات المناطق، التي لا تزال حتى اليوم تجتهد في إزالة تعديات كبار التجار، وتمتد أعمالها لتشمل معظم مناطق المملكة، مما يعني تحقق العدالة والمساواة بين التاجر والمواطن العادي، وهو ما يتناسب مع رؤية المملكة وخططها المستقبلية.
كل ذلك جميل، لكن لا تزال علامات الاستفهام تحاصر الجهات الرقابية ممثلة في إدارة مراقبة التعديات، التي كانت تعمل في تلك الفترة، ولا تدخل تعديات رجال الأعمال في اختصاصها، فما العذر في ذلك؟ وأين هو حق المواطن والوطن؟
لا أظن عاقلا يختلف معي في أن معاقبة موظفي البلديات الذين كانوا يغضون النظر عن تلك التعديات واجب وطني، ففي ظل وجود الهيئة العامة لمكافحة الفساد، لا يعقل أن يترك هؤلاء دون عقوبة رادعة، خاصة أنهم كانوا يمارسون الإزالة على المواطن البسيط ويعفون التاجر ورجل الأعمال منها، وهذا لا يليق بالموظف في بلد دستورها القرآن والسنة، وشرعها يضرب بيد من حديد على كل مخالف لأوامر الدين، مهما كانت سلطته ونفوذه، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في هلاك من كانوا قبلنا إنهم "كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".
يحتاج الوطن ومواطنوه من الجهات الرسمية إلى وقفة محاسبة جادة لموظفي البلديات، التي كشفت فيها التعديات، أيا كانت مناصبهم، وإلى وقفة محاسبة جادة لرجال الأعمال الذين اعتدوا على الطرق والحدائق العامة، إذ لا تكفي إزالة تلك التعديات التي استمتعوا وانتفعوا بها زمنا طويلا، وهي حق لكل مواطن. لا بد من تغريم كل هؤلاء؛ الموظفين المفسدون والتجار المعتدون، ولا بد من التشهير بهم جميعا، حتى يكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه أن يفسد في هذا البلد الطاهر المبارك.