الدرب تعني الطريق الموصل للروم في عهد امرئ القيس وبكاء صاحبه - وهو الحصان - أوعى من رجاء الشاعر فمات في آخر الدرب في تركيا. ويبدو أن كلمة (الدرباوية) مأخوذة من الدرب، لكنها اليوم تعني الموصل للموت في كل شارع!
القرارات التي صدرت مؤخرا بحق الذين يمارسون التفحيط قرارات رادعة طال انتظارها للحد من الإرهاب الذي يمارس ضد البشر والهواء والطرقات التي تفوح برائحة إطارات السيارات.
لا أبالغ إن قلت إن يوم صدور القرار صباحا كان الشارع الذي نسكنه مسرحا لاستهتار مستهتر يتطوح بسيارته يمينا ويسارا، وأنا أسأل نفسي لماذا يتعمد قائد سيارة ممارسة هذا النوع من الإرهاب للآخرين؟! لماذا يصر إنسان على أن يمضي دقائق وربما ساعات من اليوم في ترويع العابرين خاصة السائرين على أقدامهم؛ والنساء قبل الرجال والأطفال قبل الكبار، والأمهات رقيقات القلب قبل الآباء؟!
قرار عظيم ورادع، ولا شك أن بعض المستهترين بأرواح البشر سيقاومونه ويتظاهرون بالاستخفاف به؛ لكن مع أول وقوع تحت طائلة العقاب سيتحول (التفحيط) إلى شيء من التاريخ خاصة حين يتكاتف المجتمع بالتبليغ عن المفحطين لينالوا جزاءهم.
ليصل للمرور بلاغ من كل بيت حتى لو كان للمفحط واسطة تخبره من المبلغ سيجد أن الحي كله أبلغ عنه لا امرأة أو شاب يتعقبهما ويهددهما بالقتل، كما فعل أحدهم يوما حين روع الآمنين في حديقة وحين رأى امرأة تبلغ عنه المرور، لكنه لم يستطع تمييزها وهو يفر هاربا لينجو بفعلته فعاد بعد أسابيع وبقي يتهدد ويتوعد كل النساء في ذاك المكان لأيام حتى تعرض لحادث انقلاب وتعرض لكسور في القدم والركبة، وبقي يتمنى أن يعرف من التي بلغت عنه ليقتلها كما قال!
لا أخفيكم أنني لا أجد ضرورة في المسارعة لتطبيق نظام مثل هذا النظام، لأنه ولا شك ينهي مرحلة الإعجاب بالمفحط وهو يستعرض مهاراته في اقتلاع شجرة أو قطف أرواح عدد من المعززين له في كل حين.
على جدران حي قريب منا تنتشر عبارات تمجيد لهؤلاء الوحوش لا تصرح بل تكني عنهم مثل: نمر الحي وأسد الحارة وأبوفلان وغيرها وضعوا أنتم أسماء الأحياء التي تعرفونها لتجدوا أن هناك وحوشا لكل حي، يحولونه إلى غابة للموت غير الرحيم؛ ولكن بعد وقت ليس بالقصير على ذات الجدار تكتب كلمات العزاء والترحم على ذلك الفقيد، مما يطرح سؤالا: هل أرواح أبنائنا رخيصة إلى هذا الحد حتى نسكت عنهم حين يفقدونها بسهولة؟!
المفحط يقتل نفسه أيضا، لكنه لم يفعل ذلك متعمدا، بل حدث هذا عرضا وهو يستعرض بطولته الزائفة. هل تذكرون أولئك الدواعش الذين يفحطون بسياراتهم! هو ذات السلوك حين يزعجنا صرير عجلات السيارات التي يملكها الشباب أو يسرقونها من أقارب أو أغراب.
وبمناسبة الحديث عن السرقة العقوبات تشمل مصادرة السيارة مما يعيد إلى الذهن فكرة أن منهم من سيلجأ إلى السرقة لتحقيق رغبته في إدهاش الآخرين -كما يظن- لكن العقوبة التي يجب أن تجابه هذا أو تردعه بظني مضاعفة السجن والغرامة.
يمكن أن ندرك سر النشوة التي ينالها من يستعرض مهاراته في القيادة كبر أو صغر سنه، وهو دور مزيج من الشعور بالرجولة والمهارة في التحكم بها وقدرته المستمرة على تجاوز الخطر الذي يتعرض له؛ لكن غير المفهوم التفاف المعززين حوله خاصة حين يتعرض الأمر إلى تسليم حياتهم التي قد تذهب ببساطة لو أخفق السائق فيما يظن أنه يجيده؛ وقد حدث هذا كثيرا كما تنقل لنا مقاطع متداولة كثيرة. ولا شك أنكم أعرف مني بها لأني عادة لا أقدر على مشاهدة هدر الأرواح المؤلم وغير المبرر.
المستهترون بالأرواح مغيبون عن وعي الخطر بنشوة النصر من جهة، وبالتصفيق لهم، مما يغذي وحش الاندفاع الذي يمارسونه وينفقون فيه أموالهم وأرواحهم وأوقاتهم على الأقل. وهذا التغييب يجب أن تقابله لوحات موجزة كما هي لوحات تحديد السرعة تبين خطر التفحيط وتكتب بلغة مركزة في الشوارع والمتنزهات وحتى في المقاهي الشبابية وتوجه لمن يؤيد متابعة التفحيط كما توجه لمن يمارسه.
اللغة المحبة للحياة الصارمة في التوجيهات للشباب شبه غائبة عن الشوارع، بينما الشباب هم من يوجهون لنا رسائلهم على جدران البيوت يعلنون نحن هنا نحن نكتب اقرؤوا رغما عنكم. رسالة الحياة غير واضحة والأوضح لهم هوانها، وأعود لأكرر أنني لا أعني الناجحين المنضبطين بل أقصد من تصالح الناس على تسميتهم بـ(الدرباوية) وسخروا من مشروبهم الحامض، وتناسوا قصر حياتهم التي تذهب سدى تحت صرير العجلات أو بطعنة أو بطلقة سددتها يد الفراغ وضبابية العقل أو غيابه التام.
أعود لأقول تحتاج القوانين إلى تطبيق صارم، ويحتاج الشباب إلى توجيه يرافق العقوبات، فلا يسمح لأحد بالنجاة من هذا السلوك، ويحتاج الشاب إلى أسرة تفرغ طاقاته في اشتراك ناد رياضي أو تلحقه بعمل أو دراسة أو ما شابه حتى يستوي إنسانا نافعا لنفسه ومن حوله لا قاتلا محترفا، أخيرا شكرا لكل من طالب بوضع قانون رادع ولمن استجاب.