نحن غالبا لا نميز بين الشخص ورأيه، أو بعبارة أخرى نربط الرأي بصاحب الرأي في تعاملنا مع هذا الرأي.
عندما يقول شخص ما "فكرةً" أنت من أشد معارضيها، تجد نفسك تهاجم فكرته بكل قوة، لأن هذا الشخص لا يعنيك، ولكن عندما يقول هذه الفكرة صديق عزيز على قلبك، تجد نفسك تنتقدها على استحياء وبكل أدب، بل إنك أحيانا تحاول أن تجاريه لتخرج معه إلى منطقة رمادية.
لاحظ أنك تنازلت عن حدة رأيك لمجرد أن هذا الشخص يعنيك. هذا التصرف طبيعي وربما نتعرض له كلنا، ولكن هناك مراحل متقدمة قد تجعل البعض انتقائيا في مبادئه التي يؤمن بها.
مثال آخر: شخص ضد الفساد ويحاربه، ولكنه لا يتعرض لفلان رغم علمه بفساده، لمجرد أنه صديق أو قريب. تجده رفع سيفه على كل من يعتقد أنهم فاسدون، واستثنى فلانا من النقد.
هناك مرحلة أكثر تقدما، وهي عندما يكون لهذا الفاسد فضلا أو معروفا على أحدهم، هنا يتحول هذا الأحد من مرحلة السكوت عن الفاسد إلى مرحلة تمجيده والتركيز على أفضاله من باب رد الجميل. التدرج في هذه الأمثلة بدأ بعلاقة طبيعية، وانتهى بعلاقة مصالح أو علاقة مالية، والنتيجة: تنازل عن المبادئ والقيم.
كثيرون عاشوا على أفضال فاسدين، وحصلوا على مساعدات مالية أو تسهيلات أو غيرها، فهل نلوم المستفيدين لدفاعهم عمّن ساعدهم؟
الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة أبدا، خصوصا في منظومة قائمة على علاقة متينة بين رأس المال والسلطة ومبدأ رد الجميل.
ربما يكون هذا الفاسد هو من يسهل إجراءات أحدهم بحكم علاقاته، أو سدد له دينه، أو وظّف ابنه. هو تقريبا اشتراه بهذا الفضل. وهنا تأتي المشكلة الحقيقية، فهل نستطيع أن نواصل حياتنا بنزاهة في بيئة تجبرنا على اللجوء إلى الآخرين؟.