سلمان  العُمري



لا شك أن الأمن في الأوطان هو المظلة الأساسية التي تتم فيها إقامة الشعائر الدينية، وتتم فيها عملية التنمية والنهضة والتقدم والازدهار، وإذا فُقد الأمن فُقد كل شيء.

لذلك، يظل الأمن حلم كل الشعوب والأمم، من أجله تُسنّ التشريعات والقوانين والأنظمة، وتُستَحدث الأجهزة المسؤولة عن تحقيق هذه الغاية العزيزة التي لا تهنأ الحياة بدونها، ولا يطيب مطعم أو مشرب أو نجاح إذا غابت، أو تعرضت لما يعكر صفوها، أو يهدد دعائمها، فالخوف -وهو نقيض الأمن- يعطل قدرة الإنسان على العمل والإنتاج، ويعرقل مسيرة التنمية المجتمعية في أي أمة أو بلد متى ابتُليت به، وبدون الأمن لا معنى للاجتهاد، ولا طعم للتفوق، ولا راحة في النوم.

والشريعة الإسلامية التي جاءت رحمة للعالمين، في مقاصدها الشاملة ترسيخٌ لقواعد وأركان الأمن، وفي نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وعيدٌ شديدٌ لكل من يخلّ به بفعل أو قول، ففي الإخلال به مضادة لمقاصد الشريعة وتعطيل لأحكامها، وتهديد للمسلمين، وزعزعة لاستقرار الأمة.

والمملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين، ومهبط الوحي، ومهد الرسالة الخاتمة، من خلال تطبيق الشريعة نعمت بالأمن، وحققت في ظلاله طفرات تنموية تحسدها عليها جميع دول العالم، وانخفضت بها معدلات الجرائم إلى أقل مستوى، مقارنة بأكثر الدول تقدما وتطورا من الناحية التقنية والأمنية، وتلك الدول التي تعمل بها عشرات الأجهزة الأمنية وتنفق عليها مليارات الدولارات سنويا لتحقيق ما تنعم به بلادنا الطيبة الغالية من أمن وأمان.

ولا شك أن المحافظة على أمن بلاد الحرمين الشريفين وأمن الحج ليس مسؤولية رجال الأمن فقط، بل هي مسؤولية كل مواطن ومقيم وكل حاج، كلٌّ بحسب موقعه واستطاعته؛ لأنه لا يمكن لمسلم أن يؤدي الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو حج بيت الله الحرام، من دون أن يكون الأمن مستتبا في الحرمين، وفي المشاعر المقدسة، فالمساس بأمن المملكة فيه مساس بأمن كل مسلم، وبدينه وعقيدته.

ولا يخفى أن مما يمس الأمن والأمان والطمأنينة في الحج نقل المشكلات السياسية، والاضطرابات الموجودة في بعض بلاد العالم الإسلامي، إلى موسم الحج من خلال الشعارات أو المظاهرات وغير ذلك، مما يشغل الناس عن الهدف الديني والشرعي الذي من أجله دفعوا حرّ مالهم، وتجشموا المشاق والصعاب، فلا يجوز لمسلم أن يكدِّر على هؤلاء الناس الذين هم ضيوف الرحمن في بيت الله صفوهم، وأمنهم، وأمانهم.

وعلى الحاج المسلم أن يترك توجهاته السياسية، مهما كانت صحيحة في نظره، حتى يعود إلى بلده، ويتفرغ لعبادة الله -تعالى- والذكر والاستغفار والدُّعاء، لعله يكون ممن رجع من حجّه كيوم ولدته أمه.