حياة الإنسان غريبة، فهو بفطرته يبحث عن الحرية ويرفض القيود، ودائما يحارب لكسر كل ما يعوق حريته، حتى إن بعضهم قد يخاطر بحياته وبكل ما يملك، من أجل هذا المبدأ.
"الإنسان الفرد" غالبا هو الضعيف، ويعيش تحت سلطة "إنسان الجماعة". منذ عرف الإنسان نفسه وهو لا يستطيع أن يعيش وحده. هو دائما يبحث عن الجماعة لمنافع كثيرة، ولكن أهمها أنه يحب الانتماء. يريد أن يشعر بأنه ليس وحيدا، سواء على حق أو على باطل، سواء في الخير أو الشر. هذا الشعور دائما يرافقنا حتى في أبسط الأشياء.
لو تتذكر سنوات الدراسة عندما تواجه سؤالا صعبا في الامتحان، وتكتشف أن كثيرا من زملائك واجهوا المشكلة نفسها مع هذا السؤال، ستشعر برضا عن الذات "أنك لست الوحيد"، بعكس عندما تكون أنت وحدك الذي واجه هذه المشكلة.
من الظلم أن نفسر هذا الشعور بأنه شعور شرير، وأنك فرحت بتعثر غيرك. لأن الحقيقة أنك بغريزتك لا تريد أن تكون وحيدا حتى في الشر أو في الظلم.
هذا الانتماء الذي نسعى إليه بفطرتنا، له ضريبة.
هنا يظهر "إنسان الجماعة" الذي يفرض القيود والأعراف، ويسن القوانين، ويكون "الإنسان الفرد" هو الضحية، فليست كل الأعراف وكل القوانين عادلة. ولذلك نجد المفارقة، أن "الإنسان الفرد" الذي يجنح بفطرته للانتماء هو نفسه من يحاول جاهدا نيل حريته، ويحارب من أجلها ضد "إنسان الجماعة".
ومن العدل أيضا، أن نعترف بأهمية وجود "إنسان الجماعة"، فلولاه لأصبحت الحياة غابة، القوي فيها يأكل الضعيف. وأيضا من العدل أن نعترف بأهمية وجود "الإنسان الفرد"، فلولاه لما تطورت الأنظمة، ولا تغيرت الأعراف والقوانين.
هما مكملان بعضهما بعضا، رغم أن الفرد جزء من الجماعة، ولكن الحياة دونهما لا تستقيم.