علي معياد
بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008 - 2009، تلك الأزمة التي سببتها الغطرسة الأميركية والعنجهية المالية التي تعاملت بها خلال السنوات العشر الأخيرة دون حساب لأي اقتصاد وأي دولة من عواقب تلك السياسات على اقتصاديات العالم، والتي كانت نهايتها سقوط الاقتصاد الأول والأكبر في العالم في الركود الاقتصادي، وانهيار مؤسساته المالية العملاقة واحدة تلو الأخرى.
إن أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية كانت هي الشرارة التي أشعلت أتون الركود العالمي، وسبب تراجع الطلب من الدول الكبرى وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بعد أن عملت البنوك والمؤسسات المالية على اكتناز الأموال والتوقف عن إخراج القروض؛ الأمر الذي أوقف حركة التجارة العالمية، وأدخل النظام المالي العالمي في حالة من الجمود بسبب المخاوف التي انتشرت في الأسواق المالية بسوء سمعة الائتمان عالمياً، مما دفع الجميع إلى الاحتفاظ بأموالهم وعدم المخاطرة باستثمارها في أية سلعة مالية، خاصة بعد الانهيارات المفجعة في البنوك الأميركية التي كانت من قبل عمالقة الأسواق المالية وعلى رأسهم ثالث أكبر بنوك أميركا الاستثمارية، ومن هنا ساعد ذلك في إنعاش الاقتصاد الصيني، حيث تجاوزت الصين أخطاء الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي كانت تدعم النظام المالي والمصرفي عن طريق ابتكار وحدات مالية جديدة، أو تكوين نمو وهمي مبني على مساعدات مالية حكومية.
وبهذا وضعت الصين خططا وحلولا لدعم الاقتصاد من خلال دعم واضح وصريح للاقتصاد الحقيقي والدعائم والركائز الحقيقية التي يرتكز عليها الاقتصاد الصيني، مما أثبت للعالم أن النمو المبني على أوراق مالية وابتكارات ائتمانية مصيره الانهيار مهما طال أجله، بل وهذا الانتعاش في الاقتصاد الصيني يعتبر من أهم العوامل التي ساعدت على خروج الاقتصاد العالمي من الركود والأزمة المالية الأسوأ منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي. وبعدها بدأ اتجاه وفكرة حرب العملات عام 2010 والتي أطلقها وزير المالية البرازيلي جويدو الذي أشار إلى أن هناك اضطرابات متزايدة في أسواق الصرف الأجنبي والتي توحي بحرب عملات بين الدول العظمى، وأكد خبراء أن هذه الحرب التي تدور بصورة خفية بين العديد من الدول والمؤسسات المالية الكبرى تعتبر حربا خطرة، ربما ستسهم بالقضاء على الأسواق المالية في العالم بسبب تأثيراتها السلبية التي قد تسهم بتغير ميزان القوى الاقتصادية العالمية.
كما زادت مخاوف حرب العملات من حيث تأثيرها على الاقتصاد العالمي خلال العامين الماضيين، في مدى ترقب المستثمرين لتحرك أسعار الفائدة على العملة الأميركية خلال عام 2015 بأكمله، والتبعات التي تلت دفع الفائدة، فضلا عن الانهيارات التي أحدثتها تحركات العملة الصينية الصيف الماضي في الأسواق المالية، حيث سجل اليوان الصيني أكبر انخفاض له مقابل الدولار خلال هذا الشهر، منذ أكثر من عقدين، لأدنى مستوياته في أربع سنوات، وانخفض سعر صرف اليوان إلى 6.69 لكل دولار أميركي، ويأتي تخفيض اليوان بعد ظهور علامات أخرى على ضعف الاقتصاد الصيني، بعدما أظهرت الأرقام نمو الناتج الصناعي في الأشهر الماضية بنحو 5 % عن العام السابق، بأقل من المتوقع، متراجعًا من نمو بنحو 5.8 % في مايو السابق. وذلك نتيجة لانخفاض الصادرات الصينية، وهذه الإجراءات تتخذها الحكومة الصينية لدعم صادراتها، وبعد هذه الإجراءات من الحكومة الصينية بتخفيض قيمة العملة الصينية زادت المخاوف من نشوب حرب عملات عالمية، بعد تسارع وتيرة الاتهامات بأن بكين تقوم بتقييم عملتها بأقل من المعقول، وذلك من أجل دعم تنافسية صادراتها في الأسواق العالمية.
وتوالت ردود الفعل جراء هذه الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي الصيني. قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ويليام دادلي في رده على الصحفيين: "من الواضح أنه إذا كان الاقتصاد الصيني أضعف مما توقعته السلطات الصينية، فمن غير الملائم للعملة أن يتم إضعافها هي الأخرى نتيجة لهذا الضعف، وما يحدث في الصين له تأثير كبير على بقية دول العالم، وله تأثير كبير على الطلب في بلدان أخرى، وانعكاسات كبيرة على أسعار السلع الأساسية، كما ذكر لاري ماكدونالد في صحيفة فوربس تحت عنوان (الإنذار الأحمر الصين وحرب العملات مع بنك الاحتياطي الفدرالي والعالم) بين عشية وضحاها، أضعفت الصين تثبيت اليوان بنسبة 0.34? إلى 6.5693 مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له منذ مارس 2011، والذي جعل مجلس الاحتياطي الفدرالي يرفع سعر الفائدة.
ونحن بحاجة إلى الترليونات من الدولارات لكبح مستويات الديون المعدومة الذي يؤدي إلى انخفاض الاقتصاد الصيني. كما أكد بعض الخبراء أن حرب العملات لن تمس فقط الولايات المتحدة، بل هي حرب كاملة بين الاقتصادات المتنافسة القوية في العالم لما سينتج عنها من توتر أسواق العملات والأسهم العالمية.