التاريخ يقول لنا إن الصينيين استخدموا طريقة غسل المخ في مجتمعهم من خلال ما أسموه الإصلاح الفكري الشيوعي، والذي هدف إلى تغيير أفكار أطياف المجتمع التي كانت ما زالت تؤمن بأفكار برجوازية، وذلك قبل أن يتم قبولهم وإدماجهم في المجتمع الشيوعي، كما أن الحرب الكورية التي دارت رحاها في الخمسينات الميلادية من القرن الماضي شهدت تطبيقا واسعا لغسل المخ من خلال ما قام به الصينيون في تحويل الأسرى الأميركيين إلى آلات دعائية عبر إقناعهم بأنهم قد تحولوا إلى الشيوعية.

تحويل الأسوياء إلى مرضى نفسيين أو عقليين ليس بالأمر الذي يندرج ضمن الخيال العلمي، بل هو واقع علمي متاح اليوم في كتب تتناول هذا الأمر، ولا عجب لدي إن كان هؤلاء المحركون لموجة الإرهاب قد درسوا وتفننوا في تطبيق تقنيات تلك الكتب التي من أشهرها كتاب "كيف تصنع مريضا؟"، لعالم النفس السلوكي الأميركي جورج ويلزو والذي عرض فيه 23 تقنية لصناعة مريض عقلي من إنسان سوي، بما فيها الحرب النفسية التي تقوم على الاستعمال الممنهج للدعاية للتأثير على الآراء والمشاعر والسلوكات بهدف الوصول إلى الهدف المراد، إضافة لتقنية غسل الدماغ والتنافر المعرفي وهي الحالة النفسية المتوترة التي تنشأ عن توزع الفكر بين أمرين أو عدة أمور متناقضة فيما بينها وهو الحال الذي يتوهم الداعشي المريض أنه يعيشه بين واقع مجتمعه الفاسد ومجتمعه الأفلاطوني الإسلاموي.

عملية التلاعب الممنهجة التي تقوم بها تلك الجماعات تظهر للعيان كما هو الحال مع أي مضطرب نفسي، فالسمات ذاتها والتي منها التصرف باهتياج بهدف الحفاظ على جو دائم مشحون بالصراع وبعنف وبطريقة استفزازية من أجل إثارة ردات الفعل الغاضبة في المحيط؛ هي نفسها التي نراها ممثلة في ما يصدر من تلك الحسابات الداعشية في منصات التواصل الاجتماعي، والتي تنعت المجتمع كله بالكفر وتزايد في الدين حتى مع من شهد المجتمع لهم بالصلاح.

كما أن تمثيل دور الضحية لإثارة استجابة متعاطفة عبر الترديد الدائم بأن الدين محارب ومهدد من الجميع تطابق السمة الثانية للمضطرب نفسيا والناتجة عن تلاعب ممنهج وهو ما يسمى "التجني الذاتي"، كما أن الخيانة العلنية لإثارة حقد وغضب الغير من السمات التي نراها في هؤلاء المرضى عبر خيانتهم العلنية لأوطانهم، أيضا الانسحاب وتجنب المجتمع من السمات التي يشترك فيها هؤلاء، فالصور التي تنشرها وسائل الإعلام عن أوكارهم ومغاراتهم هي دليل واضح على هذه الانعزالية الناتجة عن اضطراب نفسي وانشقاق عن المجتمع المحيط.