عالٍ كجبال مكة، بهيٌّ أنيقٌ كورد الطائف، وهو طويلٌ أيضاً كنخيل نجد، مرتفع وبسيط في آن، مثمر وعصي على الانحناء.. ومثلما هو يمتلك ناصية العمل الدؤوب والفعل المتواصل والقرارت القوية التي يضيء من خلالها لوطنه ومجتمعه الطريق إلى غد أفضل وأخذ موقعنا المفترض في العالم المتقدم أو الأول كما يردد دائما.

رجل بهذا الطموح الذي لا يحد يجبرنا على الاحترام والتقدير ويستفز فينا قوانا الخامدة وإمكانياتنا المغيبة وطموحاتنا الهامدة لتخرج وتشكل نفسها من جديد بثقة وأمل نحو صناعة مستقبل أجمل، هو أيضاً يمتلك ناصية الكلام المرتب العميق الذي يصدع به علانية دون إعداد أو ترتيب أو تزويق، بل ينثال في المناسبات بلماحته وبديهته وفكره المعتدل الذي يحاكي شخصيته القيادية.

إنني أعني أمير منطقة مكة المكرمة المثقف والمفكر والشاعر الأمير خالد الفيصل ــ (كل هذه الألقاب أو الصفات هي متلازمة في تكوين منظومة شخصيته الإدارية والثقافية والإنسانية) ــ صاحب المبادرات الإدارية والفكرية والثقافية والإبداعية والاجتماعية والشبابية والرياضية النبيلة.

تذكرت كل هذا بعد أن قرأت كلمات الأمير الأخيرة المختزلة بخصوص الإساءات التي تريد أن تطال سموه في الإنترنت دون وجه حق وبافتراءات لا تتوقف تستهدف شخصه النبيل وضرب العلاقة الجميلة التي تربطه بالناس وبالمجتمع كحاكم إداري لواحدة من أهم وأكبر وأغلى المناطق بقدسيتها "مكة المكرمة" العاصمة الدينية لهذا الوطن.

لقد وجدتني أتفاعل مع كلمات الأمير المقتضبة والدالة وأحسست بمرارته وأسفه أن يأتي هذا التشويه من بعض أبناء بلده، لكنه مع ذلك، وعلى الرغم من كونه رجل دولة ومسؤول نافذ، إلا أنه ترفع أن يبادلهم الإساءة بمثلها بل أحسن إليهم بالدعاء لهم بالغفران والهداية والصلاح، وهـذا ليس غريبـاً على رجل نشأ وترعرع في مدرسة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، حيث الحكمة والثبات والرزانة وأخلاق ونبل الفرسان وتطبيق الهدي النبوي "الدين المعاملة" وممارسته واقعاً لا شعاراً كما يفعل بعض الخصوم الباطن منهم والظاهر والخفي منهم والمعلن! كأنما يواصل، كعادته، تساميه عن توافه الأمور تاركاً لهؤلاء المشوشين والمرجفين مهمة تسويق كلماتهم ودسائسهم وافتراءاتهم ذات الرائحة الكريهة، مانحاً وقته للعمل والمضي في إنفاذ مشروعه التحديثي الكبير في تطوير المنطقة التي أوكل بقيادتها ممثلاً لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله، وهو قادر بإذن الله على النجاح بشكل يفوق نجاحه الفريد في عسير، لأن خالد الفيصل من طينة الرجال الذين يقلقهم النجاح فلا يتوقف طموحهم ويسعون للتجاوز في كل خطوة جديدة يتولونها، وكم أسأل الله أن يطيل عمره ويسخر له المعاونين المخلصين كي يكمل قصيدته الأهم "جدة" والتي سيكتبها حتماً فهي حتى وإن جاءت إليه من دون ملامح فإنها، بفكره الخلاق وحبه للعمل ستتفجر ينابيع صافية على أرض الميدان، مثلما هي قصيدته تتفجر ينابيع صافية على بياض الورقة، وكل ما يلزمه لذلك إيمانه المتواصل بأن الإسلام ديننا العظيم في جوهره هو المحفز والداعي والوقود الحقيقي لأن نتقدم ونعود كمسلمين إلى الواجهة بطهارة الاعتدال وقوة العلم وتطبيق المعرفة كما كنا في يوم من الأيام.

أعرف أن الأمير خالد الفيصل لا يحب المديح ولا يهفو إليه، بل إنه يرفض الثناء على ما يقوم به من أعمال مهمة وإذا سمع أو قرأ شيئاً من هذا طالب المتلقين بعدم التصديق كما حدث في لقائه بنا ضيوف مهرجان سوق عكاظ الرابع الذي أقيم في الطائف قبل أقل من شهرين عندما أشار أحد الزملاء في كلمته إلى تميز الأمير إدارياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً وتنويرياً، لكن ليعذرني الأمير خالد الفيصل اليوم إذا كنت سأغضبه أو أغضبته هذا اليوم وتناولتُ شيئاً لا يحبه ولا يستسيغه لأن ما أتحدث عنه هنا مرتبط في النهاية بشخصيته القيادية وفكره المعتدل ووعيه المستنير، فلا يمكنني أن أكتب عن طموح العالم الأول الذي يستفزني كمواطن، وكمعني بالشأن العام دون أن أجيء على ذكره وهو المتبني له دائماً، كما لا يمكن لكاتب مثلي أن يأتي على ذكر سوق عكاظ دون أن أقول إن مبادرة سموه بهذه الخطوة تمثل عودة إلى التاريخ، لكن أجمل ما في هذه العودة أن خالد الفيصل جعل منها عودة إلى الأمام لا الخلف بحيث يجيء سوقنا العربي التاريخي إلى الحياة بصيغة تناسب وتلائم العصر.

بثقافته الواسعة وفكره المتقد، يدرك خالد الفيصل جيداً التغيير والوصول إلى العالم المتقدم يبدأ من الفكر لأنه لن يتبدل ما في الأعيان إذا لم يتبدل ما في الأذهان.