في المجتمعات العربية
يُلاحظ أن التحية التي
تسبق الحديث غالبا ما
تحدد طبيعة المتحدث وإلى
أي الفرق ينتمي، فمثلا
أن يبدأ أحدهم حديثه
ب"مرحبا يا أخ العرب"
فهو غالبا رجعي متخلف،
وإن بدأ حديثه ب"هاي"
فهو على الأرجح تغريبي
مائع، أما من يستفتح
حديثه ب"تحية طيبة"
فهذا والله أعلم أنه ليبرالي
غير سوي. أما المتطرفون
في كل اتجاه فتحيتهم
أحيانا تقية وتمويه وأحيانا
يباشرون صراخهم بلا تحية
ولا سلام، هنا وفي هذا الجو
المشحون حتى قبل البدء في
الحديث تأتي عبارة "شالوم
عليخم" لتحل الإشكال
مؤقتا، على الأقل إلى أن يتم
إيجاد الشتيمة الملائمة لهذا
النوع من التحايا، فتهمة
التصهين قريبا سيعتبرها
مواطنو إسرائيل إهانة لهم
ونحن كعرب نحترم حدود
الصداقة للدرجة التي
تجعلنا نتقاتل فيما بيننا
تحزبا وتصنيفا حتى على
نوع التحية.
ف"شالوم عليخم" ثم
أما بعد، تدور قصة فلم
حول فكرة أن "Matrix"
جميع البشر يعيشون في
سباتٍ عميق داخل حاضنات
اصطناعية توفر لهم من
خلال الأحلام عالما افتراضيا
يستشعرون فيه بواقعية
الأحداث التي يحلمون
بها، حسنا، الأمر المحير
في الموضوع يظهر حين
نحاول تطبيق فكرة الفلم
على حياتنا نحن، وليس
السؤال هل نحن نائمون
الآن ونحلم بالواقع إنما
السؤال: أين موقعنا الآن ما
بين الحلم واليقظة؟ هل كنا
داخل حاضنات اصطناعية
توفر لنا عن طريق الأحلام
عالما افتراضيا نستشعر فيه
واقعية الأحداث، فاستيقظنا
اليوم؟ أم أننا مقبلون على
الدخول في هذه الحاضنات
الاصطناعية للتنعم بسباتٍ
طويل مقبل؟
دعونا نأخذ "فلسطين"
كمثال نستشف من خلاله
موقعنا اليوم ما بين الحلم
والواقع، هل كنا نحلم بشكل
واقعي جدا أن "إسرائيل"
دولة محتلة شرعت في
مباشرة احتلال "فلسطين"
فور قيام "بلفور" وزير
خارجية بريطانية بالضرب
على صدره قائلا: "أزهلوها
لكم علي إني أجمعكم في
وطن قومي يا يهود"؟
فإن كان ما فات مجرد
حلم، فماذا عن الحروب
الخمس الرئيسية التي
خاضها العرب مع إسرائيل
وراح ضحيتها أكثر من
200 ألف إنسان؟ ماذا عن
الانتفاضات الفلسطينية؟
ماذا عن "محمد الدرة"؟
والحلم العربي "وين، وين
الملايين"؟ ماذا عن الريال
الذي كنا نتبرع به من فلوس
المقصف ونحن طلبة؟ هل
كان كل هذا التاريخ مجرد
حلم طويل، فاستيقظنا
اليوم لنكتشف أن ما
عايشناه لحظة بلحظة لم
يكن سوى حلم؟
نحن اليوم نقف في
منطقة وسطى ما بين الحلم
والواقع، إما أن يكون ما
فات مجرد حلم فاستيقظنا
منه لنكتشف أن الحقيقة
مغايرة تماما، فلا إسرائيل
محتلة ولا هم يحزنون، أو
أننا مقبلون على الدخول
في أحلام أخرى لنعيشها
كواقع، حيث إسرائيل دولة
صديقة وفلسطين أيضا
دولة صديقة، إلا أن إسرائيل
أكثر رقيا وتحضرا وتمدنا
وإنسانية من بقية دول
المنطقة وعلينا أن نتعلم
منها أسس ومبادئ التحضر
والتمدن والعيش الكريم!
وما فات أيها المستيقظ
مجرد حلم، فدع عنك أحلام
العنتريات الفارغة التي
مررت بها وجرب هذه
المرة أن تنام مجددا ولكن
بشكل انبطاحي كي تشعر
في أحلامك المقبلة بواقعية
ال(....).
المفارقة هنا أنه لو كنا
نحلم بعداوة إسرائيل فسبب
إيقاظنا هو زيارات نخبة
منتقاة من العرب لإسرائيل،
والنخبة التي أيقظتنا من
حلمنا الواقعي جدا تستحق
أن نبادرها بالقول: تباً
لكم، لم أيقظتمونا؟ وإن
كنا مقبلين على الدخول في
أحلام طويلة فسبب دخولنا
أيضا سيكون زيارات نفس
النخبة لإسرائيل، وفي هذه
الحالة أيضا يستحقون وعن
جدارة أن نبادرهم القول:
تباً لكم، لم تجملون لنا النوم
بانبطاح؟. وشالوم عليخم.