مثل أي بقعة في هذا العالم لدينا أزمات ومشكلات، لكن فرقنا عن بقية خلق الله أن مشاكلنا تتميز بالأصالة، فلا يوجد لدينا مشاكل حديثة أو طارئة، ومع ذلك –لله درّنا- ما زلنا نستقبل المشكلة المتكررة بنفس الدهشة الأولى رغم غياب عامل المفاجأة، فمشاكلنا التي تحدث اليوم هي نفسها المشاكل التي (حدثت في مثل هذا اليوم) في السنوات العشر الماضية، فبإمكاني أن أحدثكم عن المشاكل التي ستحدث غداً، وأوهمكم بقدرتي على التنبؤ، وهذه خدمة تقدمها مؤسساتنا الرسمية للصحافة –الكتّاب تحديداً– حيث بإمكان الكاتب عندما يُطلب منه مقال بديل عن المقال المعتاد فإنه سيجد أمامه الكثير من الخيارات التي كانت تنحصر سابقاً بمقال عن (الجامعة العربية) حيث كانت -سابقا- هي الجهة الوحيدة التي لو أعدت نشر مقال كتب عنها قبل أن تولد فلن تضطر لتعديل ما ورد فيه من معلومات أو رأي!

فعلى سبيل المثال تفاجأ أهلنا برفحاء باعتذار شركة الكهرباء عن الانقطاع المتكرر في فصل الصيف، المفاجأة لم تكن بسبب الانقطاع، ولم تكن بصيغة العذر الذي يشبه مسح السبورة، إنما بتكرار الاعتذار الذي أصبح يدخل في خانة الاستفزاز، فعلى ذمّة (الشمات جوجل) اعتذرت الكهرباء حتى الآن لرفحاء وصامطة والرس وأحياء شرق الرياض وجدة والمدينة، فلو كانت هذه الاعتذارات بالـ"أمبير" لأضاءت الشرق الأوسط، ومع كل ذلك ينبغي أن نكون منصفين وننظر لنصف الكأس الممتلئ –ونشربه ساخناً- ويجب ألا يأخذنا الغصب عن قول الحقيقة، فالشركة السعودية –أثابها المولى- ترسل رسالة تربوية مهمة، فانقطاع الكهرباء يذكرنا بما عاناه الأجداد، وكي نشعر بحال المسلمين في الدول المتخلفة، والأهم أن تختبر إيماننا في القضاء والقدر، سيّما أن الانقطاع دائماً (خارج عن إرادة الشركة)، ولا ندري داخل إرادة من؟ فالكهرباء عقد بين الشركة والمواطن، لكن إذا أخلت الشركة فإنها (تعتذر)، ولو لم يستطع المواطن السداد لظرف خارج عن إرادته فإنه (سيعتبر)، والشركة مشكورة تقدم العبر والمواعظ مجاناً للمواطن!

وفي الشتاء ستعلن الشركة أن انقطاع الكهرباء سيكون من الماضي، وعند وصول الصيف ستتفاجأ (الشركة وليس نحن) بالانقطاع مجدداً، ولن تسأل أين ذهب وعدنا، لكنها ستبحث عن صيغة اعتذار العام الماضي في مثل هذا اليوم، فالاعتذار شجاعة ونبل وفضيلة، ولأن تكرار الاعتذار ليس حلاً دائماً فقد أدركت الجامعات هذا المعنى، واستبدلت كلمة (اعتذار) بكلمة (من يقوووله؟)، فجامعة نورة بعد فشل النظام الإلكتروني وتحويله لنظام يدوي وحدوث حالات إغماء وحالات تدافع نفت أصلاً وجود قبول يدوي! فإن كان اعتذار الكهرباء موارباً ويأتي على صيغة (أعتذر إن فقأت عينك فقد كنت أنوي أن أشج رأسك فقط) فإن نفي الجامعة يأتي على صيغة (لم أفقأ عينك وإن لم تصدق فتأكد من الجثة)!