ربما يكون السبب في تخلف كثير من المنظمات العربية، شبه الحكومية منها والخاصة عن سباق المنافسة مع المنظمات العالمية، هو عدم التعامل مع منسوبيها باعتبارهم شركاء في الربح والخسارة، ما يجعل جهود الموظفين في تلك المنظمات شبيهة بما يقوم به منسوبو القطاعات الحكومية ولا يتجاوز كونه "تحليل راتب" إلا أن اختلاف أساليب الرقابة والتقييم والتحفيز بين القطاعات الحكومية والخاصة هي المتسببة في جعل منسوبي تلك الأخيرة أكثر نشاطا.
يختلف حال موظفي "خدمة العملاء" عن أقرانهم في تلك المنظمات عمّا طرحته، فعلى الرغم من تجاهل إدارة منظمتهم جهودهم في تحسين صورة المنشأة أمام عملائها وزيادة أرباحها، فإنهم يتلقون التذكير بصورة يومية أنهم شركاء فاعلون في المنظمة، حتى لو كان هذا التذكير منطلقا بصياغات غير محببة كاتهامهم بأنهم عبارة عن "حرامية"! وفي ظل منظمات تعتمد على المهارات دون تنميتها فإنه يفترض على موظفي خدمة العملاء بمهاراتهم الفطرية البسيطة التعامل بصورة مثالية مع مجتمعنا الذي يفتقد الوعي بالطريقة التي تدار بها المنظمات الخاصة، فالعديد من هؤلاء الموظفين لخدمة العملاء يتعرضون لأبشع أساليب التعدي اللفظي والإهانة والتهم التي قد تأخذ سنوات في أروقة "محكمة لاهاي" قبل أن يتم البت فيها.
لا أعتقد أنني سأسقط في محيط المبالغة إذا ما قلت بأننا لا نزال نعاني "شهوة الاستعباد" تحديدا مع من يقابلنا بصورة متواضعة.
وكما هو الحال مع موظفي خدمة العملاء فإن لموظفي نظام ساهر نصيب الأسد من الغضب الشعبي والتعدي اللفظي والجسدي، وكأن هذا الموظف المسكين هو الممول والمشرف العام على هذا النظام الآلي. يُخيل لي أن ما يتقاضاه موظفو خدمة العملاء ونظام ساهر من رواتب يذهب نصفه إلى أدوية لعلاج أمراض يسببها انعدام وعي محيطهم وشهوته التسلطية.
وبالرغم من كل ما سبق لا يزال غرض تسجيل مكالمة العميل هو إدانة الموظف صاحب الراتب البسيط والمحجوز خلف حدود صنعتها إدارة منظمته لتحطيم مجهوداته واستثماره حتى يفنى نشاطه، ولا يزال السواد الأعظم من أولئك المتصلين يعتقد أن هذا الموظف هو المرشد الأعلى لتنظيم "الاستغلال والابتزاز" الموجود داخل المنظمة!