دائما ما يثير غضبنا أي منجز أو تقدم تقني حتى وإن كان بسيطا وتافها، فهو في نظرنا يمثل خطورة عظيمة تهدد مستقبل الشباب وتجرهم عنوة إلى طريق الهاوية، وكأنهم دمى لا تعقل من أمرها شيئا.

على مدار السنوات التي شهدت تطورا في جانب التقنية قامت فيها غزوات وندوات، وهولت الأخطار إلى أن تلك الابتكارات ليست سوى حرب خفية يديرها الأعداء للقضاء علينا. كانت البداية مع البث المباشر وما سمي حينها بالغزو الفكري الذي سيخترق حصوننا عن طريق الأطباق الفضائية "الدش"، وانطلقت الفتاوى تحرمها وتجرم من يتجرأ ويُدخل أحدها بيته، ومضت الأيام وبدل أن يدخل واحد فقط أصبحت أسطح المنازل تحتضن العشرات، وبات الجميع يتابع المئات من القنوات دون أن يصل التأثر إلى حد تقمص شخصية بطل أسطوري أو حتى فقير يتسول الناس عن طريق الفن، فما بالك بمروج لفكرة معادية لدينه أو مبادئه. ومرت الأمور بسلام ليتبع "الدش" الكمبيوتر بأشكاله ثم الجوال وملحقاته من أجهزة تضم إلى جانب تسهيل وتوسيع دائرة التواصل، برامج أخرى للتسلية واللعب. وإن أشغلت فئات معينة إلا أنها لم تصل إلى حد الخطورة التي يدعيها البعض، وينادي إلى أخذ الحيطة منها ومصادرة أو منع ما وصل منها إلى الأجهزة الذكية لدى المستخدمين داخل المملكة، وهذا ما تم اتخاذه قبل فترة وجيزة حيال لعبة البوكيمون التي أثارت فزع البعض، أو مثل ذلك كتأييد لفكرة الخطورة التي أطلقها من لهم نفس النهج في محاربة كل حديث وتحميله وزر خراب الأمة وتفككها.

ما هو مستغرب ومحزن أيضا أن هناك من القضايا وحتى الأفكار ما هو أخطر من لعبة البوكيمون، يتم الترويج لها بشكل علني وتدعم على مستويات عدة، وعلى الرغم من معرفة وإدراك الخطورة إلا أن أي إجراء وقائي أو تحذيري حيالها لم يُتخذ، ولم نشاهد حملات إعلامية تحاربها كما هو الحال مع هذه اللعبة التي ملأت الدنيا ضجيجا. هناك من يقول إن دولا عدة اتخذت الإجراء نفسه في المنع لكن سياسة الإنكار تختلف، هي تنطلق من محافظتها على فكر الشباب من التلوث ليس من اللعبة هذه فقط، ولكن من البرمجيات الأخرى التي ترعاها منظمات سرية وعلنية، وتنفذ أجندتها متى ما وجدت الفرصة وتوفرت التغطية التي تمررها تحت أي مسمى مقبول يحقق تعاطف العامة وأتباعها له دون مقاومة.