لماذا العمل التطوعي عند الإسلاميين متقدم على غيرهم داخل السعودية؟ السؤال في العمق سؤال خاطئ، والسبب أن العمل التطوعي في أقصى مستوياته الظاهرة في حوادث الإنقاذ المصيرية والاستثنائية قام به شباب عاديون مشغولون بمتابعة مباراة الهلال والأهلي أكثر من انشغالهم بمحاضرة أي شيخ يتعارض مع توقيت المباراة، بل إن بعض الكوارث كالسيول التي اجتاحت بعض أحياء جدة قبل بضع سنوات أظهر فيها شباب وشابات جدة جهودا متميزة وحماسا عاليا في العمل التطوعي الإغاثي، جعلت المراقب يكتشف الإمكانات الهائلة للطاقات الشبابية لكلا الجنسين، مما حدا ببعض المسؤولين النابهين إلى استثمار ذلك واحتوائه بإيجاد ما سمي بالمجالس الشبابية (ربما بعض مجالس المناطق الشبابية التي ترعاها بعض إمارات المناطق لا توجد فيها فتيات للأسف!!).

إذاً العمل التطوعي بين الشباب والشابات والحماس له موجود فأين المشكلة؟ إنها في بعض الإسلاميين، فما رأيناه من حماس وإخلاص شبابنا وشاباتنا في العمل التطوعي خارج الوطن، أثناء فترة الابتعاث دون خوف أو قلق من رجمهم بالباطل، كما يفعل بعض الإسلاميين في الداخل، فيقذف الأعراض بحجة الدفاع عن الدين، والمصيبة أن يبرر لذلك دينيا، نقول: المشكلة في بعض الإسلاميين الذين يطعنون في شرف العمل التطوعي ما لم يكن لهم اليد الطولى فيه، ولأصحاب الذاكرة الضعيفة فإن المتطوعين لخدمة المنكوبين في سيول جدة قديماً من شباب وشابات تم اتهامهم من قبل البعض بقلة الأخلاق مع تكرار أسطوانة خطر الاختلاط المشروخة التي سبقها قبل ثلاثين عاما رسالة في خطر الهاتف والتلفاز!!، وكل ذلك محاولة للهيمنة على كل مفاصل الحياة، ومن أهمها العمل التطوعي الذي هم أسياده منذ سنوات ليصبح مرتبطا في العقل الجمعي بهم وتحت إشرافهم.

حتى نظام الكشافة أصبح معروفا أيام دراستي الجامعية قبل عقدين من الزمن، أنه محتكر من قبل تيار ديني واحد -لا أعلم شيئا عن حاضر العمل الكشفي الآن- ففي تلك الفترة كان يهيمن على العمل الكشفي تيار إسلامي وحيد يطرح أدبياته الخاصة مع إحداث شلل في أي محاولة للخروج على النسق الخاص لهذا التيار الإسلاموي.

أبناؤنا وبناتنا في البعثات الخارجية نكتشف طاقاتهم الهائلة في المشاركة اللامنهجية (تطوعا) ورغبة في خدمة الإنسانية المختلفة في الدين والمذهب، ولكن بمجرد عودتهم لا يستطيعون مواصلة هذا الحماس في داخل وطنهم، ما لم يستظلوا بظل داعية أو شيخ، وإن غامر أحدهم بحالة فردية فسيرتطم بالبيروقراطية التي نراها غضت الطرف لسنوات، عن كثير من النشاط العام لتيارات اكتشفنا خطرها منذ تنبيهات رجل الدولة عما أسماه (المنهج الخفي)، رجل كان يتجول بسيارته الخاصة دون حرس أو حراسة على طرق منطقة عسير وبين جبالها الشاهقة، ليشارك الناس أحياناً في القرى حفلاتهم الشعبية ثم رأى بعين بصيرته -رغم تحذيراته المخلصة والصادقة- كيف اختطف أصحاب المنهج الخفي البسمة من ثغور الناس وصولاً إلى وقتنا الحالي الذي ندعو فيه كل جمعة أن يحفظ فيه الله المصلين ممن يفجر مساجدهم.

الروح التطوعية للعمل المدني موجودة لدى كل الشباب والشابات، لكنها روح عنترة التي صرخ بها أحد سادة بني عبس أن تنطلق للكر والفر، فأجابها عنترة (العبد لا يجيد إلا الحلب والصر)، فعَرَف سيد بني عبس سر الإحجام عن الانطلاق فقال له: كر وأنت حر، وعليه فإن الشباب ذكوراً وإناثاً سيبدعون وينجحون ويحققون ذواتهم الإنسانية العليا، إن شعروا بالعمل التطوعي كعمل يليق بمسؤولية الأحرار، غير مقيد بشروط استعباد أيديولوجية حزبية تشبه شروط وزارة التعليم قبل أكثر من ربع قرن في تعيين مديري المدارس التي ما زلنا نعالج آثارها حتى هذه اللحظة، ونرجو للوزير التوفيق والعون، فالتركة لعبة من الدهاليز والاختباء في التفاصيل حيث يكمن الشيطان، وحلها في (وثيقة سياسة التعليم) التي لم تكن يوماً قرآنا ووحياً لنجد في هذه الوثيقة التأكيد على أهمية الجهاد، رغم أن وزارة الدفاع هي المسؤولة عن العقيدة القتالية لجنودها البواسل وليست وزارة التعليم لأطفال ومراهقين، ثم نتساءل باستنكار الغافلين لماذا لا يجد المعلم أنشطة لا منهجية سوى في زيارة المقابر أو مسرحية لحمل الجنازة مع آهات يغلق معها الستار، ليتشربوا تلكم المفاهيم فإذا انتقلوا للجامعة وقام نشاط مسرحي عكس ما تعودوه أحالوا المسرحية إلى (معركة ذات العصي والكراسي) كما فعلوا عام 2006 في إحدى الجامعات، ولعل الزمن تغير من باب التفاؤل، ونقول التفاؤل لأن المسرح معطل عن أن يكون طبيعيا، فالمسرح عندنا أبطاله من الذكور فقط، ولم يسلم من المعتوهين فكيف إن كان عرضاً مسرحياً طبيعياً يشارك فيه الرجال والنساء كأي مسرح موجود في أي دولة على الكرة الأرضية شاملة دول المليار مسلم باستثنائنا!!.