علينا أن نأخذ ما تناقلته الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي، عن تعثر قبول العديد من الطلاب والطالبات في الجامعات، مأخذ الجد. فهو ليس دلالة على مشكلة واحدة منفردة، بل على مجموعة مشكلات مترابطة، وحل واحدة منها لا يتأتى إلا ضمن التفكير في حلها جميعاً.

وأول وجه من وجوه تعدد المشكلة هنا، أن الحصول على مقعد في الجامعة ليس غاية في حد ذاته، بل هو طريق إلى غاية أبعد هي التأهيل العلمي وإكساب المتعلم مهارة متخصصة في أحد التخصصات.

القبول في الجامعة من حيث هو وسيلة إلى التأهيل والمهارة، يجعل تعثر قبول بعض الطلاب، طبيعياً، بل لازماً، لأن التأهيل العلمي وإكساب المهارة يتطلبان وجود معايير وشروط في المتقدمين، من حيث المستوى والتكوين، تحُد من قبول الجميع، وإلا أصبح الحصول على شهادات جامعية شكلياً لا صدقية له أو يكاد.

وإذا كان التأهيل العلمي وإكساب المهارات هو إعداد للمستقبل وحلم بوظيفة واستشراف لعمل في خدمة المجتمع، فإن القبول حساب علمي من وجه، وحساب اقتصادي وإداري وتربوي من وجه آخر، وذلك على الرغم من وجود وجهة في فلسفة التعليم العالي ترى إفساحه لمن أراد، ولكنها وجهة فوق مستوى الضرورة والاضطرار الذي تتعلق به مشكلة القبول في سياقنا.

والحساب الاقتصادي والإداري والتربوي، يعني التحسب للمستقبل بالاستدلال على التخصصات الفقيرة إلى المؤهلين، والأكثر حاجة، والتوسع فيها، وتشجيع الإقبال عليها، وترشيد وعي الطلاب إلى ما هو أصلح لقدراتهم وأوفق لحاجة المجتمع.

أن نحل مشكلة القبول لوحدها، فنقبل كل الطلاب، دون النظر إلى غاية، ودون الحسبان لنتيجة، هو تماماً مثل ألا نحلها ولا نلتفت لمن لم يحالفه الحظ في القبول. فالوجهان معاً متساويان في الدلالة على مضاعفة مشكلات المستقبل على الطلاب كأفراد، وعلى المجتمع بأسره.

وأن تتحول الوسيلة وهي القبول في الجامعة إلى غاية، هو تماماً مثل التفريط في الشروط الأكاديمية ومعايير الجودة اللازمة للتأهيل العلمي وإكساب المهارة وإتقان التخصص، فهما مترابطان في اقتضائهما قبول المتقدمين جميعاً دون تمييز.

هكذا يتضح أن مشكلة القبول في الجامعة، ليست محدودة في حدود القبول، بل مترابطة مع المعايير الأكاديمية، ومع فلسفة التعليم الجامعي ومكانته ووظيفته في المجتمع، ومع سوق الوظائف والحاجات العملية، ومع الثقافة السائدة.

ولذلك فإن ما شاهدناه وقرأنا عنه من تفجع عديد من الطلاب والطالبات وتحسر أسرهم على عدم قبولهم، لا يعني أن مشكلتهم محصورة في عدم انطباق شروط القبول ومتطلباته عليهم، بل هي مترابطة مع مجموع المشكلات بحيث يغدو الدخول للجامعة، لعدد منهم –على الأقل- فرصتهم الوحيدة، ويغدو لهم ولعدد أكبر منهم وكأنه غاية في حد ذاته.

ولو أمعنا النظر في كل واحد من أسباب التعثر السابقة، ومظاهر أزمته، لوجدناه مندرجا في مشكلة أكبر منه؛ فعدم اجتياز الطلاب المتعثرين لمعايير القبول، سواء في القبول للجامعة أو في التخصصات المطلوبة، متصل بمشكلة ضعف التأهيل في مراحل التعليم العام، وهذا الضعف أعقد من أن يُحصر في سبب وحيد.

وأن يكون القبول في الجامعة فرصة وحيدة للطالب، أو يتحول القبول في الجامعة إلى غاية، حتى لو كان في قسم لا صلة له برغبة الطالب وتكوينه، ولا حاجة إليه في سوق العمل، هو دلالة على أن المشكلة ليست منفصلة عن النظرة الاجتماعية والثقافية، التي تعلي من قيمة "الجامعي" حتى لو كان عاطلاً.

أما خلاف ذلك، فإن تحول عدم القبول في الجامعة إلى مشكلة، هو نتيجة الصورة الذهنية التي ترسخت، في السنوات الماضية، من وعد المسؤولين في التعليم العالي بقبول جميع خريجي الثانوية في الجامعات، وتكرار التصريح بدلالة على الفخر أو البِشارة، بقبول 90- 95% منهم.

وكان من نتائج ذلك توسع القبول في الأقسام النظرية، وتوسع الافتتاح لكليات منها في البلدات والمدن التي تقع في منطقة الجامعة، وتجاوز صرامة المعايير المشترطة في قبولهم، أو عدم وجودها، على الرغم من تضخم الخريجين من هذه التخصصات، وتزايد بطالتهم.

ولم يكن هذا التوسع في القبول خرقاً للنسب العالمية التي تتراوح فيها نسب القبول في الجامعات من خريجي الثانوية بين 45 - 65%، بل هو خرق للخطة المستقبلية للتعليم الجامعي في المملكة، المسماة "مشروع آفاق" والصادرة بأمر ملكي في 4/ 6/ 1432، وتمتد إلى عام 1450.

ففي مشروع "آفاق" نص على أن تُحدَّد نسبة قبول خريجي الثانوية العامة في الجامعات وكليات المجتمع بـ 70%، وأن يكون 25% للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، و5% يرحلون إلى سوق العمل مباشرة.

لكن نسبة المقبولين في الجامعات من طلاب الثانوية، تحتاج إلى إعادة نظر بناء على واقع الإحصاءات المسجلة. ذلك أن التعليم العالي أضحى أكثر مصدر للبطالة، والأرقام في نشرة مسح القوى العاملة التي تصدرها الهيئة العامة للإحصاء تتحدث في آخر إصداراتها (النصف الثاني من العام 2015) عن:

383.808 عاطلاً عن العمل يحملون درجة البكالوريوس، منهم 303.850 أنثى. في حين بلغ عدد العاطلين بمؤهل الثانوية العامة 179.769 بغالبية ذكورية، فعدد الإناث 68.919. ومن حيث التخصص فإن في المتقدمين للوظائف في شعبان 1436 بلغ 116 ألفا في تخصص اللغات و105 آلاف في الشريعة.

فعدم الحساب لتضخم أعداد الخريجين، أفسح لقبولهم الكمي، وكان قبولهم حلاً لمشكلة متوهمة لديهم، ولكنه أوقعهم في مشكلة أشد مرارة وألماً وهي البطالة. وإذا أعدنا النظر في خطة القبول، فإن المسألة – من وجه آخر- في حاجة ملحة إلى تشريعات وأنظمة تفسح المزيد من فرص العمل للمرأة وتشجع الإقبال على المعاهد والكليات التقنية والمهنية، وتفرض على القطاع الخاص ما يجعله بيئة عمل مأمونة وغير مجحفة للمواطن.

فالإحصاءات إذ تدلنا على تضخم بطالة النساء الجامعيات، تدلنا أيضاً على ضآلة أعدادهن في الكليات التابعة للتدريب التقني والمهني، وفي إحصاءات وزارة التعليم العالي نجد عدد الخريجين من هذه الكليات في العام 33-1434وصل إلى 19.615 خريجاً من بينهم 2.434 أنثى فقط.

إن الأحرى أن نتصور أزمة القبول في الجامعات في علاقاتها بما هو أعقد منها، ولذلك لم أتحدث عن تفسيرها لدى البعض بأخطاء الإجراءات، أو الواسطة والمحسوبية، لأن من السهل إثباتها، إن حدثت، ومعالجتها.