ارتبط اسم إيران بالإرهاب والعمليات الإرهابية منذ عام 1979، حيث نفذت إيران عشرات العمليات الإرهابية المتنوعة داخل حدودها وإقليميا ودوليا شملت قارات العالم كاملة، وليس ذلك من باب المبالغة مطلقا، فقد شهدت آسيا عشرات العمليات الإرهابية في الكويت والسعودية والبحرين ولبنان وباكستان والهند والعراق وغيرها، وشهدت دول القارة الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا والنمسا عمليات إرهابية استهدفت شخصيات معارضة، أما عن القارة الأميركية الشمالية فنال الإرهاب الإيراني من الولايات المتحدة ومحاولات في كندا، أما أميركا اللاتينية فضرب الإرهاب الإيراني دولة الأرجنتين، وفي القارة الإفريقية نجد دولا مثل نيجيريا وكينيا وغيرهما قد عانت وبعضها لا يزال من الإرهاب الإيراني، كما عانت أستراليا من الداء الإيراني ذاته.
وإذا ما تجاوزنا الميليشيات وفرق الموت المدعومة من إيران، نجد أن شخصيات إيرانية رسمية سياسية وعسكرية تم إدراجها على قوائم المطلوبين للعدالة بتهم تتعلق بالإرهاب. بعض هذه الشخصيات لا يزال يتسنم مناصب عليا في البلاد.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، طلبت سلطات الأرجنتين خلال الأسبوع الماضي من عدد من الدول التي من المحتمل أن يزورها علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني السابق والمستشار السياسي الحالي لخامنئي، اعتقاله لتورطه في انفجار "آميا"، الذي وقع عام 1994 وقتل على إثره 85 شخصا، حيث طالبت دول في شرق آسيا مثل ماليزيا وسنغافورة بتسليم ضيفها الإيراني إلى العاصمة الأرجنتينية بيونيس آيرس. وقد طالب قاضي التحقيق، ووفقا للحكم الصادر والمسجل لدى الشرطة الدولية "الإنتربول"، مسؤولي هذه الدول بإلقاء القبض على ولايتي، وتسليمه للسلطات الأرجنتينية لمحاكمته.
الجدير بالذكر أن ولايتي لم يكن الشخصية الإيرانية الوحيدة المتهمة بالضلوع في عمليات إرهابية في الأرجنتين، بل نجد شخصيات بارزة مثل أحمد وحيدي الذي كان يشغل آنذاك منصب قائد فيلق القدس، ثم أصبح وزيرا للدفاع في 2009، ومديرا لمركز الدراسات الإستراتيجية في القوات المسلحة حاليا، ومحسن رباني، الملحق الثقافي لسفارة إيران لدى بيونس آيرس، الممثل الشخصي الحالي للمرشد الإيراني لشؤون أميركا اللاتينية كمتهم في تسهيل الحادث الإرهابي، وعلي فلاحيان، وزير الاستخبارات في ذلك الوقت، وهو أيضا متهم بالوقوف خلف عملية اغتيال معارضين إيرانيين من أصول كردية في مطعم ميكونوس في برلين عام 1992، وأخيرا في هذه القائمة نجد اسم علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس الجمهورية آنذاك، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الحالي، متهما بالضلوع في هذا التفجير أيضا، ومطلوبا كذلك للمحاكمة في الأرجنتين.
وللمزيد من تعقيد القضية، نجد أن القاضي الذي يحقق في هذه القضية ويدعى "البيرتو نيسمان" وجد ميتا في شقته، حيث ذكرت السلطات الأرجنتينية في بداية الأمر أنه قد مات منتحرا، إلا أن ذلك تم التراجع عنه لاحقا ليتم التحقيق في جريمة قتل للقاضي نيسمان، وأصبحت أصابع الاتهام تتجه مجددا نحو طهران وتحدثت التحقيقات عن تهديدات تلقاها القاضي قبل مقتله بفترة وجيزة، مما يزيد من الشكوك في وقوف النظام الإيراني خلف هذه الجريمة.
إن ما تم عرضه أعلاه هو غيض من فيض في ملف الملاحقات الأمنية والقضائية لعدد كبير من المسؤولين الإيرانيين الحاليين، مثل وزير الداخلية وقائد الحرس الثوري وقائد فيلق القدس وعشرات آخرين تم إدراج أسمائهم على قوائم الشرطة الدولية كمطلوبين للقضاء لأسباب مختلفة. هذه الحقائق إن دلت على شيء فإنما تدل على طبيعة النظام الحاكم في إيران والشخصيات التي تصل إلى مناصب عليا هناك، وكأن من شروط ذلك وجود سجل إجرامي يؤهله لتسنم تلك المناصب. ولعل ذلك يقود القارئ الكريم إلى فهم السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول المنطقة والعالم، ونمط تفكير الطبقة الحاكمة هناك وأسباب ودوافع لجوئها الدائم والمستمر للعنف والإرهاب وزرع الخلايا التجسسية وتأجيج الطائفية والصبغة المتوترة لعلاقات طهران مع معظم دول العالم.
باختصار شديد، إن السيكولوجية العدائية تجاه الآخر تحرك الساسة في إيران، وترتفع وتيرة هذه العدائية تبعا للقرب الجغرافي لهذه السيكولوجية، ومحورها طهران الخمينية، ولذلك تجد علاقات طهران متوترة مع كافة الدول المحيطة بها جغرافيا، ويبدو أن ذلك سيستمر ما استمر تركيز نظام ولاية الفقيه على الهروب من المشكلات الداخلية إلى امتهان القتل والدمار في تجاهل شبه تام من الكثير من الدول والهيئات لنشاط طهران في المنطقة والعالم!.