تتكرر مشكلة قبول الجامعات كل عام، وتتوالى الشكاوى من الطلاب والطالبات وذويهم، بتعذر قبولهم في التخصصات التي يرغبون أو عدم قبولهم إجمالا في الجامعة، وهذا ما يعدّه أولياء الأمور والطلاب كارثة وتقصيرا من الجامعات ووزارة التعليم. أضف إلى ذلك، التحدي الكبير المرتبط بطبيعة مجتمعنا الشاب، وهو عدد خريجي الثانوية المتزايد، مما قد يشكل عقبة في سبيل استيعاب وتحقيق رغبات الجميع!
لكن مجتمعنا شاب، وسيظل على هذا الحال لعقود قادمة، حسب الإحصاءات، ولذلك لا بد من العمل على حلول تضمن استمرار الشباب في التعليم الذي هو حق من حقوقهم، وكذلك استفادة الوطن من مخرجاته بعد أن يستثمر سنوات ومبالغ طائلة في تعليم هؤلاء الشباب.
باختصار، على تعليمنا تقديم معادلة موزونة سهلة الفهم، تضمن لخريج الثانوية العامة خيار الاستمرار في التعلّم، وتضمن قدرته على الإنتاجية والمشاركة في التنمية لاحقا.
غني عن القول أهمية قبول الطالب في التخصص الذي يطمح إليه، وتأثير ذلك على إمكان نجاحه وتميزه ما دام استعداده الأكاديمي يسمح له بالمحاولة.
في اجتماع لتخطيط برنامج من البرامج التي عملت فيها، وضحنا للمستشارة الأجنبية طريقة ومعايير القبول المعمول بها فقالت: هذا يتعارض مع كل مبادئ التعلم والدافعية التي أعرفها، وأجدها صادقة وصريحة.
ما المشكلة العويصة في إتاحة الفرصة للشباب في التخصصات التي يريدون؟ هل المكافأة عائق؟ أوقفوا المكافأة في سبيل أن يلتحق الجميع بالدراسة إذن. هل الإمكانات البشرية والمباني عائقان؟ لنعمل بطاقتنا البشرية القصوى، وليكن يومنا الدراسي من التاسعة إلى التاسعة في جامعاتنا مثل الجامعات المرموقة حول العالم، ولتكن بعض المقررات في البرامج إلكترونية وعن بعد. الأكيد أن هناك حلا لكل تحدّ، وعلينا أن نجده أو نصنعه.
قد تزعج بعض هذه الحلول من اعتاد على الراحة، واعتمد مبدأ حفظ الطاقة خلال ساعات العمل من الإداريين أو الأكاديميين، لكن المجازفة بإبقاء الوضع في الجامعات على ما هو عليه أكثر خطورة من السعي الجاد إلى تغييره.
من زاوية أخرى، يدرك المراقِب أن بعض طلبة البكالوريوس إما أنهم يتسربون خلال الدراسة لأي ظرف، أو يقضون وقتا طويلا لتحقيق متطلبات المؤهل، مما يشكل أيضا ضغطا على المخططين في البرامج الجامعية، وهدرا كبيرا للجهود والموارد.
أحد الحلول من وجهة نظري، هو في إعادة تخطيط البرامج الأكاديمية، بحيث يمكن للطالب الحصول على إجازة ممارسة مهنة من المهن التي يفترض أن يؤهله لها البكالوريوس عند إنهائه ما يعادل ثلث البرنامج، أو منحه درجة الدبلوم في جزء من تخصص البكالوريوس عند إنهاء النصف حسب الوحدات التي أنهاها، على أن يتم إبلاغ الطالب من البداية أن هذه هي خياراته المتاحة في حال التعثر.
إن البقاء على المقاعد الدراسية أكثر من الحد الأقصى لأي برنامج لا يخدم خطط الجامعات، ولا يتسق مع خطط التنمية، ولا يساعد الجامعات على تحقيق أهدافها.
من المهم هنا أيضا، الإشارة إلى ضرورة التنسيق بين الجامعات والخدمة المدنية في الاعتراف بهذه المؤهلات المرحلية، كي لا يجد الخريج نفسه في طابور البطالة رغما عنه بعد مغادرة البرنامج الأكاديمي لأي ظرفٍ كان.
أريد أن أختم بالقول: إنه لا يوجد -من وجهة نظري ومن تجربتي- تخصص أهم من غيره، أو تخصص يتيح لصاحبه الوظيفة مباشرة، فالواقع يتعارض مع هذه الفكرة!
الحقيقة أنه يوجد تباين في قدرة البشر على الاجتهاد والتأقلم وحسن توظيف الفرص. وكما نطالب الوزارة والجامعات بحسن التخطيط وزيادة الفرص والتخصصات، نطالب أبناءنا كذلك ببذل الجهد والإحسان فيه. ولنتذكر دائما أنه إذا لم تتح للإنسان فرصة الالتحاق بتخصص يتمناه، عليه أن يسعى كالماء للالتفاف حول الظروف وصناعة مستقبله بنفسه.