دون تضخيم أو تهويل، نستطيع القول: إن ممارسات النظام الإيراني، إذا ما تم السكوت عنها وتجاهلها، ستقود العالم إلى حرب شاملة وفوضى مطبقة. فدولة المرشد، التي كرست كل جهودها منذ استلامها السلطة عام 1979 لتصدير مفاهيم ثورتها الضيقة، تكاد توجد وراء غالبية المصائب التي تحيق بالعالم، وأصابعها تقف خلف معظم الأزمات، في دول الخليج، وبقية الدول العربية، وكذلك معظم دول العالم.

ومع أن النظام الإيراني اعتاد تصدير الأزمات إلى دول إفريقيا وآسيا وأوروبا وحتى أميركا -إضافة إلى تدخلاته السالبة في شؤون دول الجوار- إلا أن خطورته تبدت مؤخرا في مساعيه إلى تشكيل جيش على أسس طائفية بحتة، لاستغلاله في مناطق الأزمات التي تديرها طهران نفسها، ويتمثل ذلك في آلاف المرتزقة الأفغان والباكستانيين، وإرسالهم للقتال في سورية، إلى جانب القوات الموالية للأسد. إضافة إلى عشرات الميليشيات العراقية التي تشكل عصب ما يسمى بـ"قوات الحشد الشعبي"، التي ترتكب فظائع ضد أبناء الطوائف الأخرى.

وأشارت معلومات حديثة إلى أن طهران شرعت في استغلال الخلافات التي تتسع بين أبناء طائفة الهزارة وبقية الطوائف الأفغانية، وبدأت تخطط لاستيعابهم في جيش شبه نظامي، يشرف عليه نافذون في الحرس الثوري، لاستخدامهم في تنفيذ أجندتها، وإحياء مزاعم إمبراطوريتها البائدة، وقدمت لهم وعودا بتوطينهم في سورية والعراق، وتتولى إنفاق مليارات الدولارات عليهم وعلى توفير الأسلحة التي يحتاجونها.

قطعا لن يكون منوطا بهذا الجيش الإرهابي، الذي تشير المعلومات إلى أن قوامه سيتجاوز بضعة آلاف، إرساء الأمن أو دعم الاستقرار، وستحاول طهران استغلاله لتهديد السلم والأمن الدوليين، ومحاولة إرهاب خصومها، لكن يبقى التحالف الإسلامي الذي لعبت المملكة دورا رياديا في تكوينه وإنشائه، سلاح ردع فاعل لوضع حد لمثل هذه المهازل، وهنا يكمن الفرق في التفكير والالتزام بالمؤسسية ومبادئ القانون الدولي، بين دولة تسعى إلى تجييش الميليشيات وحشد المرتزقة، ودولة أخرى تلتزم بالشرعية وتحرص على دعمها والوقوف بجانبها.

ومن اللافت أنه على خلاف الإدارات الأميركية السابقة، التي اعتادت التعامل مع طهران والخطر الذي تمثله، بما تستحقه من اهتمام، فإن إدارة الرئيس باراك أوباما أظهرت تراخيا كبيرا في هذا الاتجاه، ومدت حبال التواصل معها، ووفرت لها فرصة ذهبية للمضي في تنفيذ برامجها التخريبية، عبر توقيع الاتفاق النووي، الذي بالرغم من تعهده بتوقيع عقوبات على النظام الإيراني إذا واصل سياساته الرامية لتصدير الفوضى إلى دول المنطقة، إلا أنه غضَّ الطرف عن ذلك، وتجاهل برنامج  الصواريخ الباليستية الذي مضت طهران في تنفيذه، رغم ما يمثله من خرق واضح لأسس الاتفاق النووي، واقتصر الرد الأميركي على مجرد التهديدات والتلويح بالعقوبات، دون تنفيذ شيء ملموس من تلك التهديدات.

وتبدو السياسة الأميركية الحالية وغضها الطرف عن تجاوزات طهران، مثيرة للتساؤل، حيث مارس الرئيس أوباما ضغوطا مكثفة على الكونجرس لتمرير الاتفاق النووي، وهدد أكثر من مرة باستخدام حق النقض "الفيتو" لوقف أي قرار يستهدف إيقافه، ولم يكتف بذلك، بل بدأ الترويج لمزايا الاستثمار في إيران، وتشجيع الشركات العالمية على استثمار أموالها بطهران، للدرجة التي دعت رئيس مجلس النواب، بول رايان، إلى التساؤل في سخرية مريرة: "عما إذا كان الاتفاق النووي ينص على تحول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى سمسار لإيران؟"، حسب قوله.

قطعا لن تقف دول الخليج وبقية الدول العربية موقف المتفرج على سياسات النظام الداعم للإرهاب، وهو يسعى ليل نهار إلى تصدير الإرهاب إليها، والتدخل في شؤونها الداخلية، وستتخذ من الإجراءات ما يكفل ضمان أمنها واستقرارها، وهو إجراء قانوني، يستمد شرعيته ومشروعيته من مقررات الأمم المتحدة، وكذلك لن تستمر حالة اللامبالاة التي تتعامل بها الإدارة الأميركية الحالية مع الأزمة السورية، مع قدوم الإدارة الجديدة في نوفمبر المقبل، لأن الوافد الجديد للبيت الأبيض لن يرضى باستمرار التغول الروسي في شؤون دول المنطقة، وهو ما قد يتسبب في صدام بين أكبر قوتين في العالم. خصوصا بعد اتفاق المرشحين الرئاسيين، دونالد ترامب، وهيلاري كلينتون على ضرورة استعادة الدور الريادي للولايات المتحدة في العالم.

لذلك فإن الواجب على المجتمع الدولي أن يظهر قدرا أكبر من الحزم مع التفلتات الإيرانية، وأن يرغمه على الامتثال للقانون الدولي، والكف عن تصدير الفوضى، وإيقاف التدخل في شؤون الدول الأخرى، لا سيما في سورية، وأن يكثف مساعيه للتوصل إلى حلول سلمية للأزمة التي تسببت في زيادة الاستقطاب الدولي، وزادت حجم التهديد باندلاع حرب بين روسيا وتركيا، مع ما يستلزمه ذلك بالضرورة من احتمال دخول حلف الناتو، إلى جانب الأخيرة التي تعتبر أحد مكوناته.

إيران لن تتوقف عن تدخلاتها وطموحاتها التوسعية، ما لم يتخذ المجتمع الدولي من الإجراءات ما يكفل منعها من الحصول على أسلحة دمار شامل، ويردعها عن إشعال منطقة الشرق الأوسط بالاضطرابات والفوضى، وسيدفع المجتمع الدولي ثمن لا مبالاته، وهو ما بدا جليا في الأحداث الإرهابية، وحوادث التفجير والعنف التي لم تسلم منها دولة، والتي قطعا تقف وراءها إيران وحرسها الثوري، وإن اختلفت المسميات وأشكال الدعم.