لقد حرصت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها وحتى وقتنا الحاضر على رفاهية المواطن، وأوجدت البنية التحتية والوزارات الخدمية التي من شأنها خدمة السكان من مواطنين ومقيمين، وأنفقت ميزانيات مليارية طوال السنوات الماضية، وتأتي رؤية 2030 "السعودية.. العمق العربي والإسلامي.. قوة استثمارية رائدة.. ومحور ربط القارات الثلاث" التي أطلقها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، لاستكمال عجلة التنمية في شتى المجالات، وتتضمن في أحد محاورها التشجيع على الاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية، والاستفادة من الإمكانات المتاحة.

والحقيقة، أنه توجد لدينا في المملكة بيئة استثمار مفتوحة وجاذبة، وهناك مؤسسات تعنى بتقديم الدعم المادي والمشورة لإقامة المشروعات الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، فما على الشباب سوى السعي في طلب المساعدة اللازمة من التوجيه والمشورة.  وعلى المستويين العام والفردي، نحن لا نملك -أو لا نجيد- ثقافة الاستثمار، لأن ثقافة الاستهلاك هي التي تُسيطر على سلوكياتنا، وقد حرصت الرؤية على معالجة هذا الجانب ورفع درجة الوعي في الادخار للمواطن من 6% إلى 10%.  إن المتأمل في الهيكل التنظيمي لمعظم الوزارات يجد أن الإدارات المعنية بالاستثمار إما غير موجودة أصلا، أو أنه لا توجد بها كوادر مؤهلة، وكذلك لا تتم إدارتها بطريقة احترافية، وبالتالي هذه الوزارات أرهقت ميزانية الدولة خصوصا الخدمية منها.  لذلك، وجب علينا في ظل رؤية المملكة 2030، أن نغير من الهيكل التنظيمي لمعظم الوزارات، خصوصا الخدمية منها، إذ إن التغيير سيوجِد الأنظمة التي تساعد على الاستثمار الأمثل للإمكانات المتاحة، سواء المادية أوالبشرية.  لو نظرنا إلى الهيكل التنظيمي لوزارة الشؤون البلدية والقروية، نجد أنه رغم وجود إدارة معنية بالاستثمار في البلديات، إلا أن الشروط التي تفرضها البلديات عند إصدار تراخيص لمحلات تجارية، قد تتناسب مع مدن ولا تتناسب مع أخرى، إضافة إلى أن الشروط أحيانا شكلية أكثر منها اشتراطات فنية أساسية، وهذا فيه تعطيل لعجلة الاستثمار. كذلك لا نجد أن هناك استغلالا أمثل للحدائق والمسطحات الخضراء والأرصفة، من خلال وضع أكشاك للبيع أو وضع مجسمات جمالية من الشركات تحمل شعار الشركة وبإيجار سنوي.  ولو تأملنا في الهيكل التنظيمي لوزارة التعليم، نجد أنه لا توجد إدارة متخصصة ومعنية باقتصاديات التعليم، علما بأنه يوجد نظام قديم لاستثمار واجهات المدارس التي تقع على شوارع تجارية، إلا أن هذا النظام لم يتم تفعيله بالشكل المطلوب، ولو تم تفعيله سيخفّض من الإنفاق الحكومي على التعليم بنسبة لا تقل عن 10%، كما أن مدارسنا مخدومة بالإنترنت، ويوجد بريد إلكتروني للمعلمين والمعلمات والموظفين والموظفات، إلا أن التعامل الورقي في التعاميم وفي جميع المعاملات مستمر حتى وقتنا الحاضر، ولو تم استغلال التقنية سيوفر ذلك أيضا كثيرا من ميزانية آلات التصوير والورق والحبر والموظفين والمراسلين والسيارات التي تنقل البريد والبنزين والزيوت والصيانة، وغيرها.  نحن في هذه المرحلة بحاجة ماسة لمعالجة مشكلة الاستثمار بصورة عاجلة، من خلال سن الأنظمة والتشريعات التي تسمح بالاستفادة والاستغلال الأمثل للإمكانات المتاحة، كذلك نحتاج إلى دعم الوزارات والإدارات المعنية بكوادر متخصصة في الاستثمار للموارد المالية والبشرية.