تناولت تقارير روسية عمليات التقارب الجارية بين روسيا وإيران من جهة، وبين الأخيرة وتركيا من جهة أخرى. واعتبرت أن تركيز موسكو على كل من طهران وأنقرة محاولة روسية، إما للاستغناء عن المعادلة العربية، أو في أحسن الأحوال تهميشها.
وذهبت التقارير إلى تلميحات بأن روسيا تستخدم الورقتين الإيرانية والتركية للضغط على أطراف عربية بعينها، بهدف جرها إلى الرؤية الروسية، مستغلة في ذلك بعض التناقضات في علاقات الأطراف العربية بالولايات المتحدة.
وعلى الرغم من التناقضات الملموسة في العلاقات بين كل من روسيا وإيران وتركيا، إلا أن خطا جديدا في سياسة الدول الثلاث يتبلور على أساس تجنب التناقضات بين هذه الأطراف الثلاثة، وينطلق من تناقضات الموقفين الإقليمي والدولي، وتناقضات كل من الدول الثلاث مع الغرب.
وقد ظهرت جملة من التصريحات المهمة من الطرفين الروسي والإيراني تشير إلى وجود تنسيق حثيث لتوسيع تعاونهما ليتجاوز الوضع في سورية، وبطبيعة الحال، فالمسألة تتعلق بترتيبات أمنية واقتصادية، تحسبا لتحولات إقليمية ودولية قد تتعدى الأزمة السورية.
المدى القريب
وفقا لأوساط عسكرية، فإن المشهد العملياتي على الأرض يعكس طبيعة العلاقات الروسية – الإيرانية في المدى القريب فقط، وكذلك جملة المحاور التي يمكن أن يتفق عليها الطرفان الروسي والإيراني. وإذا أضفنا الطرف التركي، فسوف نصل - حسب التقارير - إلى تصريحات موسكو وأنقرة حول إمكانية التنسيق في عدد من البنود التي تجنِّب الطرفين الروسي والتركي أي مشاكل أو خلافات، وتساعد على سلامة الطيران في الأجواء السورية وحولها. وهذا انطلاقا من تماس رؤية البلدين في عنصرين مهمين للغاية الأول: الحفاظ على وحدة أراضي سورية وتركيا، وضرورة الوصول إلى صيغة تساعد على تسوية الأزمة السورية سياسيا. والعنصر الثاني هو تأمين الحدود التركية السورية كجزء من الاتفاقات التي توصل إليها الرئيسان الروسي بوتين والتركي إردوغان في لقائهما في مدينة سان بطرسبورج. غير أن الاتفاقات القائمة حتى اللحظة، تشير إلى أن التناقضات أكثر بكثير من نقاط التماس.
بلورة المشهد
فيما يتعلق بزيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة، فقد مثَّلَت -حسب مراقبين روس - نقلة نوعية ليس فقط في علاقات إيران وتركيا، وإنما اختبار لخطوات قد تكتمل في مرحلة لاحقة في إطار مشهد التنسيق والتعاون بين موسكو وطهران وأنقرة. وقد اتفق الجانبان أيضا على تسوية الأزمة السورية سياسيا. وهو ما يؤكد ما ورد في التقارير العسكرية السابقة، بأن كل الاتفاقات التي تجريها روسيا مع تركيا، أو الأخيرة مع إيران هي مجرد "حديث" عن تنسيق، وإعراب عن رغبات ومساع. ولكن من جهة أخرى، ترى أوساط دبلوماسية أن المشهد، في حقيقة الأمر، لا يزال في طور البلورة. وهو في الوقت نفسه ليس خافيا أو بعيدا عن متابعة الولايات المتحدة ودول التحالف بقيادة واشنطن، وليس بعيدا أيضا عن أعين ومشاهدات بعض القوى الإقليمية الأخرى، والتي لا تزال تحاول حل "المعضلة التركية" بعد التقارب الروسي – التركي، ومحاولة التنبؤ بمصير العلاقات التركية - الأميركية. وحسب تلك الأوساط، فإن المهم في هذا السياق هو الولايات المتحدة. إذ إنه من الواضح أن ما يجري عموما ليس بعيدا عنها، بل ومن الممكن أن نشهد نشاطا أميركيا مفاجئا في هذا المشهد العام، وخاصة بعد جولة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف في الشرق الأوسط وزيارته كل من إيران وقطر والأردن والمملكة، ولقاءاته مع بعض أطياف المعارضة السورية في الدوحة.