في جولة سريعة سآخذ بيدك أيها القارئ الكريم لنطل من هذه النافذة على عالم الحيوان. العالم الذي وفر للإنسان الطعام والشراب والحماية؛ فلا غرو أن عبّر الإنسان البدائي عن حبه للحيوان برسمه على جدران الكهف، وحفر صورته على جذوع الأشجار. وعندما اكتشف الإنسان الزراعة بدأ محاولاته لتدجين بعض أنواع الحيوانات، فأخذ يتحول تدريجيا من حياة الصيد إلى حياة الزراعة ـ الأكثر استقرارا ـ ومن المعلوم أن الحياة الزراعية تحتاج إلى أدوات للحفر والحصاد وإلى حيوانات لحراثة الأرض ونقل المياه.

 وفي الحرب لم يقف الإنسان وحده، بل كانت الحيوانات في طليعة الجيوش المقاتلة، ونذكر هنا الحصان الذي وقف جنبا إلى جنب مع الإنسان، وقد استخدم الإسكندر الأكبر الفيل في حروبه؛ لأن منظره يثير الهلع والرعب، وكان الهدهد أول طائر حمل رسالة التوحيد لبلقيس حاكمة اليمن وعاد محملا بالهدايا الثمينة.

 ولو عمقنا النظرة في المخترعات الحديثة لوجدنا أن للحيوانات الفضل الوافر علينا، فلما قلّد الإنسان الطير اخترع الطائرة، كما تعد الغواصة محاكاة جيدة للكائنات البحرية، وما شبكة الصياد سوى استنساخ للشبكة التي ينصبها العنكبوت لاصطياد فرائسه.

وخلاصة القول: لقد تحطم غرور الإنسان واعتداده بنفسه وبقوته، فهو ليس الأقوى ولا الأذكى بين المخلوقات، بل ربما العكس تماما، فالحيوانات التي اقتحمت الحصون وداست بحوافرها البشر هي التي فتحت عيني الإنسان المغلقتين على كثير من المخترعات الحديثة ووقفت تحت رايته في السلم والحرب، وما زالت حاجتنا للحيوانات مستمرة حتى ونحن نعبر بوابة القرن الحادي والعشرين، قرن السرعة والتطور وتقنية المعلومة.