من درس اللغة الإنجليزية في الغرب يعرف أن هناك نقاشات مثل: من لغته أفضل؟ من لغته أقوى؟ من لغته أقدم؟ تدور داخل الفصول يشعل نارها العرب والسعوديون خاصة.

شهدت ذات يوم إحدى هذه النقاشات التي دافعنا فيها عن أقدمية لغتنا، ليرد أستاذنا البريطاني بطريقتهم التي تصيب الحجة بطريقة بالغة التهذيب "أنا معجب بما تقولون، لكن إذا كانت البشرية بدأت في إفريقيا فلابد أنهم كان لديهم لغة يتواصلون بها، مما يجعل هذه اللغة هي الأقدم، ما رأيكم؟

هذا السؤال أعاده عليّ أيضاً ستيفن بنكر في لقائي المنشور معه في "الوطن"، مما يجعلني أبحث من أين أتت أفكارنا أو معتقداتنا عن اللغة العربية؟

في الواقع أن جميع الأدلة على أقدمية اللغة العربية وتفردها وحديث آدم بها هي من الإسرائيليات، ومن يستخدم الإسرائيليات يعتمد حديث "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج "، وأهم شرح لهذه الجزئية تقول ما تظنونه صدقاً حدثوا به، مما يطرح سؤال كيف أستطيع أن أحكم على مسألة في التراث اليهودي من حيث الصدق أو الكذب نقلها لي كعب الأحبار (معظم ما تم نقله تم على يد كعب الأحبار، وهو تابعي أسلم في خلافة أبي بكر رضي الله عنه).

في الواقع، المنطق أداة جيدة في هذا، ولو بحثت جيدا لوجدت من الحديث ما يؤيد المنطق، مثلاً في مسألة الأقدمية هناك نص يقول: أول من تحدث العربية هو إسماعيل عليه السلام. ومن المعروف أن إسماعيل سبقته أمم لاشك أنهم لم يكونوا يتحدثون بلغة الإشارة، بل بلغات تخصهم، إذًا هناك لغات قبل العربية.

قال لي بنكر: اللغة العربية تعاني من ضعف الترجمة، واللغات تقوى وتتميز بحركة الترجمة. واستوقفني ذلك.

في الواقع اللغات أيضا ترتبط بقوة اقتصاد البلدان التي تتحدثها، وهذا يجعل اللغة العربية غير جذابة حتى لأبنائها، والاستثناء الوحيد هو المكرمة الإلهية لها بنزول القرآن بها.

لكن هناك الكثير من العاطفيين العرب يحاولون تسويق اللغة العربية ليس بتشجيع دراسة القرآن أو المنح في اللغة العربية، بل بنشر الأكاذيب عنها حتى وصلوا إلى الادعاء أن نعوم تشو موسكي تأثر بها، مما أوقع اللغة في حرج بالغ عندما نفى الرجل ذلك.

في هذه العاصفة كان اسم حمزة المزيني الذي كشف هذه الأكاذيب عبر التواصل مع نعوم تشو موسكي.

مما استفز البعض، وجعله يحتج على المزيني بأن كشفه لهذا لأنه لا يحب العربية، ويحاول الانتقاص منها. لا أشك أنهم ليسوا من قراء المزيني وإلا لكان لديهم علم عن مقاله العظيم "مكانة اللغة العربية في الدراسات اللسانية المعاصرة"، ومقالة "التحيز اللغوي"، بل وترجمته لكتاب في 700 صفحة عنوانه "محاسن العربية في العيون الغربية"، وهو سيعجبهم أي الكتاب لكونهم يبدون مهتمين بالعيون والآراء الغربية عن لغتنا العظيمة أكثر من اهتمامهم أنها مهمة بذاتها وليست محتاجة للأكاذيب.

المزيني نقل أكثر من عشرة كتب حتى الآن للثقافة العربية من الثقافة الغربية، ومعروف دور الترجمة في صناعة الحضارات، لذا بربكم من يدافع عن العربية إن كان المزيني مسيئا؟

من المحزن أن الثقافة العربية التي ابتلينا بها أخيراً تحب الخطابات العاطفية حتى لو لم يرافقها فعل، لذا كل المعرفة التي نقلها المزيني والتي كلفته كل هذا الجهد لا تساوي شيئا في نظرهم مقارنة بما تضيفه الإسرائيليات والاستعراضات المسرحية المنتهية بتكبييير.