في منتصف صيف عام 1988، كنت مسافراً على الطائرة من أتلانتا إلى مدينة ونفر الأميركية. كان إلى جواري بمقاعد الطائرة سيدة أميركية في منتصف العمر، آنذاك، وكعادة العربي، يبدأ حديثه من بوابة السياسة. يومها كانت حملة الرئاسة الأميركية محتدمة، وكان بطلها جورج بوش الأب، وأتذكر أنني قلت لها بصفاقة إن أميركا على أبواب انتخاب شخص لا تاريخ له سوى المال والأعمال، فكيف ينجح التاجر عندما يقفز من مقعد "البزنس" إلى "باراشوت" السياسة. أجابت فوراً: أميركا هي الاقتصاد وكل ما عداه هوامش لا تدخل في اهتمامات السواد الأعظم من المجتمع، وهي، أي أميركا، مثل شركة عملاقة تحتاج اليوم إلى مثل بوش الذي ابتدأ من الصفر ليكوّن بنجاح هذه الإمبراطورية. أميركا لا تحتاج إلى سياسي فلدينا في واشنطن آلاف من هذا الفصيل بقدر ما تحتاج إلى قائد "leader" يستثمر نجاحه الاقتصادي المصغر لقيادة الشركة الأكبر.

استمعت فاستمتعت بخطاب المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، إلى حزبه فجر ما قبل الأمس. سأكون منحازاً للقبول به إذا ما كان البديل المقابل هيلاري كلينتون. استمعوا لما قال عنها بالحرف: أميركا سئمت من السياسي المتردد الضعيف. لقد استلمت هيلاري دفة وزارة الخارجية الأميركية في عام 2009 وكانت ليبيا وسورية واليمن دولا قائمة مستقرة لكن سياساتها المترددة هي من أشعل فيها هذه الحروب الداخلية البشعة. هي، هيلاري، من سلم مصر إلى جماعة دينية متطرفة، وسياساتها وسياسة حزبها الديمقراطي هي من قاد إلى أسوأ نوع من المفاوضات مع إيران، وهو ما جعل من إيران بعبعاً فوق حلفائنا هناك، وأعطاها الفرصة التاريخية لتكون على مسافة قصيرة من امتلاك السلاح النووي، وأطلق أقدامها لتقضم عواصم الجوار من حولها. سياسة هيلاري هي من فرغ العراق وسورية من النظام لتستلم المكان جماعة "تنظيم الدولة" التي تهدد اليوم مصالح العالم وشعوبه.

تحدث عن إسرائيل مرة واحدة فقط، وتحدث عن أمن حلفائه في الشرق الأوسط مرات عدة. وبالطبع تحدث كثيراً عن إرهاب الجماعات الإسلامية، ولكنه أيضاً ذات الحديث الذي تقوله أنظمتنا وقيادات الرأي السياسي والفكري لدينا. لم يتحدث ترامب في خطابه الطويل عن "النفط" كما يصوره الديموقراطيون بعبعاً جعل من أميركا أسيرة له. وفيما يخصني كمواطن شرق أوسطي، وسعودي بالتحديد، فأنا أكاد أجزم أن مصالح اقتصادنا القوي تنسجم مع رؤى زعيم أميركي في البيت الأبيض لا مع سياسة ضعيف متردد أدت سياساته وسياسة حزبه إلى هذا الخراب التاريخي في خارطتنا وسلمتنا إلى يد العدو التقليدي على الضفة الأخرى من الخليج.

الخلاصة: ترامب نسخة مطورة من جورج بوش الأب في كل الدقائق والتفاصيل.