شهد الأسبوع الحالي تطورات سياسية وعسكرية بالغة الدقة على أكثر من مستوى. وبعيداً عن التطور التركي الذي لا يزال يحتلّ موقعا متقدّما في الإعلام العربي والدولي، إلاّ أنّ ذلك لم يحجب التطورات السياسية الأكثر تأثيراً في مستقبل المنطقة وعلى كل المستويات، بدءاً من الزيارة الإستراتيجية لوزير الخارجية الأميركي إلى روسيا مصحوباً بخارطة طريق للتنسيق العسكري الروسي- الأميركي في سورية، إلى تحديد الدور الروسي في الحرب العالمية القادمة على داعش في سورية والعراق، وحرص الأميركيّين على نشر مسودة المشروع الأميركي عبر الصحف الأميركية، ممّا يعني أنّه مجرد علم وخبر للروس ليس أكثر.

التطور الثاني كان اجتماعات وزير الخارجية الأميركي في لندن مع وزراء الاتحاد الأوروبي ووزيري خارجية كل من السعودية عادل الجبير والإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، للبحث في الأزمة السورية والعملية الانتقالية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المفاوضات اليمنية في الكويت والحرص على عدم إعطاء المزيد من الوقت لسياسة المماطلة التي تعتمدها إيران في المفاوضات عبر أدواتها اليمنية.

التطور الثالث والأهمّ هو انعقاد الاجتماع فائق الأهمية لوزراء دفاع التحالف الدولي ضد داعش في قاعدة أندروز بالقرب من واشنطن، والذي شارك فيه ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان مع كافة وزراء التحالف الدولي من الدول العربية والإسلامية المشاركة في التحالف. وتأتي أهمية هذا الاجتماع في توقيته، أي قبل نهاية عهد الرئيس أوباما، ممّا يؤكّد ما كنّا قد توقّعناه وهو أنّ سياسة الانكفاء الأميركي ستتغير في الأشهر الأخيرة من ولاية أوباما. وكان الحديث واضحاً إذ إنّ الترتيبات قد اكتملت للقضاء التام على تنظيم داعش في سورية والعراق وأي مكان على حسب ما جاء في البيان الختامي لاجتماع وزراء دفاع التحالف الدولي ضد داعش.

التطور الرابع هو الاجتماع الموازي لوزراء خارجية الدعم للعراق في لندن، في نفس التوقيت لاجتماع وزراء الدفاع في واشنطن، وذلك لاحتواء الآثار الكارثية التي ستنجم عن سقوط الموصل، إذ يتوقّع المجتمعون حصول أكبر عملية نزوح ستشهدها الأمم المتحدة هذا العام، وخصوصاً أنّه يُتوقَّع نزوح حوالي مليوني شخص من الموصل فقط. وتأكيداً على أن التحضيرات للحرب تجري بسرعة فائقة، فقد جاء الاجتماع الذي عقد في وزارة الخارجية الأميركية في اليوم التالي الخميس، والذي ضمّ وزراء الخارجية والدفاع لدول التحالف الدولي ضد داعش، أي أنّ الحرب العالمية على الإرهاب أصبحت على الأبواب.

تأتي كلّ هذه التحضيرات والاجتماعات عشية انعقاد القمة العربية في نواكشوط الموريتانية، والتي سيحضرها عدد كبير من القادة العرب. وستواجه القمة تحديات الإرهاب والنزاعات المسلّحة في سورية واليمن وليبيا والعراق، هذا بالإضافة إلى القضية الفلسطينية وعودة الروح للمبادرة العربية للسلام. وذلك يذكّرنا بالقمة العربية السابقة في شرم الشيخ التي انعقدت على إيقاع انطلاقة عاصفة الحزم في اليمن التي أعادت الروح إلى التكامل العربي عبر التحالف العربي في اليمن وبداية زمن جديد يقوم على مواجهة التحديات وتوزيع المسؤوليات.

ستنعقد القمة العربية بعد غد، أي يوم الإثنين في الخامس والعشرين من شهر يوليو، ولا أحد يستطيع أن يحدّد التطورات التي ستحدث خلال اليومين القادمين، أو تحت أي ظروف ستنعقد القمة في نواكشوط، لأنّنا دخلنا في ساعات حاسمة وبالغة الدقة، والمتوقع الوحيد هو أن الحرب الكبرى على الإرهاب واقعة في أي لحظة لا محالة، بعد اجتماعات قاعدة أندروز. وهذا يدعونا إلى متابعة القمة العربية بالكثير من الجدية والاهتمام، وأنّ العرب ما بعد قمة الأمل في نواكشوط ليسوا كما قبلها، وأننا سنكون أمام زمن جديد من التحوّل الإستراتيجي والتكامل العربي.