ضاقت أنفسنا ولم نعد نحتمل بعضنا. كل شيء يغضبنا، وكل شيء يدفعنا للجنون. حتى في أبسط المواقف نبالغ في ردات فعلنا. نلاحظ ذلك في كل مكان، في الشارع، في مجالسنا، في حواراتنا، في أعمالنا، حتى في تعاطينا لما يحدث بالخارج. بداخلنا طاقة سلبية هائلة تبحث عن أي وسيلة للخروج.

لاحظ كيف نتعامل مع الأحداث الخارجية، نتبنى قضايا لا تخصنا وندافع عنها ببسالة وكأنها قضيتنا الأولى. أصبحنا نبحث عن أي حدث لنختلف فيه.

أي مصيبة في العالم تقسّمنا وأي حدث يشق صفنا. من الطبيعي أن نختلف، ولكن المبالغة في تبني قضايا الآخرين، أمر غير مقبول. قد يكون غياب مفهوم الهوية القطرية عاملا مهما لما نعاني منه الآن. نحن مجتمع تربى على الفكر الأممي. لا شعوريا نجد أنفسنا مسؤولين عن أي حدث يقع في أي دولة عربية أو إسلامية ونتصور أنه أمر يخصنا. بينما نجد مواطني دولة خليجية معروفة بحيادها لم يقعوا بما وقعنا به، ولم يختلفوا كما اختلفنا، بل إنهم أوقفوا حتى المد الطائفي الذي اجتاح المنطقة كلها عند حدود دولتهم رغم تعدد مذاهبهم.

اجترار مشاكل الخارج للداخل كارثة عظيمة تهدد مستقبلنا وتهدد أمننا. وإذا لم نضع حدا لهذه الظاهرة ونسيطر عليها فنحن أمام مستقبل مظلم. يجب أن نفهم أن المملكة العربية السعودية بما فيها من مذاهب وتيارات وأعراق هي دولة مستقلة وليس لها علاقة بجرائم وحروب تحدث بين طوائف وتيارات الدول الأخرى. وأن اجترار هذه المشاكل للداخل هو خطر كبير علينا وعلى أجيالنا القادمة. هذا وطنك الذي تعيش فيه أنت وأهلك وأحبابك وأصدقاؤك فلا تجعله نسخة من الخراب الذي تنظّر لفصائله ومذاهبه وطوائفه في الدول التي تعمها الفوضى.