"السحر"، كانت هذه الإجابة هي الأكثر تعليقاً على تساؤلي حول سر الانجذاب للتنظيم الداعشي والتغيّر الرهيب الذي يطرأ على معتنقي هذا الفكر، وبالتالي يحولهم من أشخاص اعتياديين إلى كائنات دموية ومتشبعة بأقصى درجات العنف واللاإنسانية؟

بالرغم من اتفاقي أن السر يكمن في استخدام السحر لجذب التعاطف مع هذا التنظيم وتحقيق أهدافه إلا أن اختلافي يقع في مضمون هذا السحر، فمن خلال قراءتي المتواضعة لتاريخ الأمم والشعوب السالفة توصلت إلى إيمانٍ عميق بأن الصراعات القائمة على أسس دينية هي الأشد فتكاً والأطول عمراً، بحيث يخلق هذا النوع من الصراعات نزعة "راديكالية" يزداد تعمقها طردياً مع مدة الصراع. على سبيل المثال غالبا ما تنتهي الصراعات الناتجة عن اختلافات "جيوساسية" بانتصار الطرف الأول بالتملّك أو انتصار الطرف الثاني بالبقاء في الأرض، أيضاً قد تكون صلة التقارب والأرحام عائقاً أمام اكتمال صراع النزعات العرقية والقبلية. أما الصراعات المنبثقة من التطرف الديني فلا تكون نهايتها إلا القضاء على أحد الطرفين، سواء كانت حروباً ميدانية أو باردة.

أعتقد جازماً أن صناعة الصراعات الدينية تُعتبر أمرا يسيراً بالنسبة إلى قادة الأطراف المختلفة حتى إذا كان منبع هذا الاختلاف هو شهوة التوسع أو السطو، إذ يمكن استغلال التعلق البشري بالتقاليد والتعاليم الروحانية وجعلها غطاء على الأهداف المبطنة من هذا الصراع. وبالتالي فإن السر وراء إضفاء الشرعية المزعومة على الأهداف الحقيقية التي يسعى التنظيم الإجرامي إلى تحقيقها هو استخدام ما أسميته بـ"سحر الارتباط الديني" الذي يتم من خلاله استغلال حالة السكون والتفكك التي تعيشها غالبية الدول العربية والإسلامية، وما يكنّه المسلمون من حنين إلى عصور الوحدة والقوة الإسلامية والتلاعب بمفاهيم التعاليم الإسلامية وتأويلها بالصورة التي تخدم مقاصده؛ كأن يتم السطو على مدينة واحتلالها بحجة كفر ساكنيها! إن ما كشفته فظاعات المحسوبين على هذا التنظيم يحتم على المسؤولين عن الخطاب الديني المعتدل في المملكة والعالمين العربي والإسلامي الاتفاق على خلق خطاب تجديدي يكون رادعاً للفكر الضال بصورة أكثر تفهما للتطورات المحيطة وأكثر جاذبية للشباب بصورة خاصة.