لنقل إن عددا من الأشخاص، يملكون مؤهلات القوة، اتفقوا على إقامة شركة، عقدوا مجلسا ابتدائيا لتحديد الأسس التي تقوم عليها، والتي تشكل العلاقة بين القيادات ومنسوبي الشركة، وكذلك العلاقات بين هؤلاء المنسوبين أنفسهم.

أحدهم اقترح أن تكون هذه الشركة دينية، وعلى الفور ضحك الجميع، معتبرين أن هذا لا جدوى منه، لأنه لا دين للشركات من أساسه، ثم إن الهدف من إقامة المشروع هو الاتحاد لأجل القوة والازدهار والكسب الاقتصادي.

الآخر قدم مقترحا يحدد ألوان وأنساب المتقدمين للتوظيف بحجة الولاء، وثار الضحك مرة أخرى، فالكفاءة والجهد والاستحقاق لا علاقة لها بشيء من هذا المعيار الغريب، بل على العكس، هذا سيضرب في نسيج العاملين، ويشعرهم بالتمييز، ومع الوقت ستتوالد الأحقاد وتكبر، ومن يدري أيضاً!

الشخص الثالث اقترح أن يكون المشروع مغلقا والشركة سرية، وفرض معلومات ومصادر معرفة محددة وصارمة على جميع منسوبي العمل، وهذا أيضا كان محل سخرية، هذا لم يعد ممكنا، وغير قابل للنقاش من أساسه، فالعالم من أقصاه لأقصاه صار في جيب أيٍ منا، وتوالت الاقتراحات والمداولات من هنا وهناك.

في المحصلة، توصل الجميع إلى أنه لا بد من إصدار قوانين صارمة، تعمل على استمرارية الشراكة، وتضمن حقوق الجميع، وتنظم العلاقات ما بينهم البين، على أسس المصير الواحد والمشترك، تعلي من شأن الكرامة الإنسانية والكفاءة والقوة والتطور والعلم والتعليم والانفتاح على العالم، وتجرّم العنف والكراهية وجميع أشكال التمييز، وعلى رأسها الديني والعرقي، هذه القوانين وبالاتفاق يجب أن تنطلق ابتداء من أن الشركة نفسها هي الكيان الذي ينتمي إليه أفرادها فقط، وهذا الانتماء وحده هو ما يحدد هوية منسوبيها بالتساوي، ومجال نشاطها، ومصدر قوتها.

حسنا.. سيرجي برين، ولاري بيج، أعلنا في السابع من سبتمبر 1998 عن قيام شركة أميركية صغيرة اسمها "غوغل"، بقرض بنكي قيمته مليون دولار، تعدّ شركة غوغل اليوم وبعد 18 عاما فقط من قيامها أرشيفا للعالم، صاحبة محرك البحث الأشهر على الإطلاق، وقيمتها السوقية تتجاوز 150 مليار دولار، ويرأس إدارتها التنفيذية شاب هندي اسمه ساندر بيتشاي، من مواليد محافظة صغيرة في الهند 1972 تدعى تشيناي، هاجر إلى أميركا ودرس الكمبيوتر، وهو حاليا يقود شركة، تقود العالم. لم تُسجل بها أعمال عنف، ولا تشعر بالتهديد، "غوغل" التي صارت بلد البلدان.