حمل البرنامج الثقافي في جعبته تسع ندوات وأمسيتين شعريتين، شارك فيها العديد من الباحثين والمثقفين والخبراء في مجالات مختلفة، وتوافد لحضورها العديد من زوار المهرجان من أنحاء المملكة والوطن العربي، وقد جاءت الفعاليات المنبرية في ثلاثة أيام، أخرجت عقب انقضائها رؤى المثقفين وانطباعاتهم عن البرنامج واقتراحاتهم لمستقبله.

وجود هامشي للمرأة


 تقول الناقدة والأكاديمية أسماء الأحمدي، إن من أبرز فعاليات عكاظ "الندوات والأمسيات" - بحكم التخصص والاهتمام- وإن كنت أرى أن تكون أكثر تركيزا في جانب محدد، كي تتم تغطيته بشكل فاعل ومكتمل الجوانب، حتى لا ندخل في ضبابية الجهود وقلق الحدود. إن تحديد مسار الندوات في جانب معين وإن رآه البعض إجحافا للجوانب الأخرى، لكن الحقيقة إن رسم التاريخ يحتم علينا الصبر وعدم التعجل لقطف الثمار، وأقترح المسارعة في إنشاء أكاديمية تعنى بالفنون بشكل متسق ومنتظم دون طغيان جانب على آخر.

أما عن المرأة ووجودها الهامشي ربما تفرضه قيود عدة، منها السلطة الدينية والاجتماعية التي تثني الجهود المتقدمة لمنحها الثقة والحقوق، ما يحسر وجودها ويقلص خطاها وخطى الرجل المثقف، الدافع بها نحو التميز والانخراط المباشر في الثقافة، كي تمثل شريكا فاعلا في دفع عجلة التقدم الوطني والإبداع الفكري، من خلال مشاركة النقاد العرب الفاعلة، تبدو الحاجة لعقد شراكة عربية وعلمية منهجية من خلال استقطاب الكفاءات الناجعة من الجامعات، لإعداد الندوات قبل عرضها بشكل "كامل وجزئي"، كما ينبغي أن تعقد ورش عمل للتقييم، وتبدو الحاجة لورش عمل نقدية للشعر والسرد على حد سواء. إذ إن الإعداد المسبق يقينا من التقليدية والتكرار والنمطية والتباين.

خيمة للشعراء


 يرى الشاعر علي الحازمي أن أجواء مهرجان سوق عكاظ لهذا العام، كانت أكثر من رائعة، كما أن التنظيم والفعاليات الثقافية كانت غنية ومتنوعة، وقال بما أنني أزور سوق عكاظ للمرة الأولى كمشارك في الفعاليات الثقافية المصاحبة للسوق، تمنيت بصدق أن تتاح الفرصة لعدد أكبر من شعراء وطني للمشاركة والحضور لهذه الفعاليات المبهجة، كما أنني في الوقت ذاته أتمنى أن أرى في النسخ القادمة من المهرجان خيمة خاصة للشعراء الزائرين للسوق بكل أطيافهم، لقراءة أشعارهم طوال أيام السوق بإشراف مباشر من القائمين على الفعاليات الثقافية على هذه الخيمة، وأشير إلى أن ما يجعلنا نشعر بطمأنينة تجاه مستقبل سوق عكاظ، وقدرته على التطور عاما بعد عام، هو تلك الرغبة الحقيقية لدى القائمين عليه لمواصلة النجاح تحت رعاية كريمة من أمير منطقة مكة المكرمة الأمير الشاعر خالد الفيصل. هذا العام أشياء كثيرة تغيرت في افتتاح عكاظ وفعالياته، والأهم أن يتحول عكاظ التاريخ إلى عكاظ المستقبل.

 





تفعيل التقنية


أبدى رئيس قسم اللغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور.عادل الزهراني إعجابه بتنوع البرنامج وثرائه، والمحاولة الحثيثة للتغيير والابتكار. وقال يأتي الابتكار هنا بمفارقة ظريفة ومدهشة، وأن تستحضر الماضي لتبتكر ليس أمرا عاديا، بل يعني أن البرامج تسير ضمن استراتيجية مرسومة، وعكاظ المستقبل هو شعار هذه المفارقة العجيبة.

وأعجبني أيضا نزعة المنظمين لدمج الفنون لتكمل بعضها وتستلهم الأفكار فيما بينها، فيكون المسرح بجوار الموسيقى والتصوير الضوئي والفن التشكيلي والنحت متوجين بالشعر، وأشدد في هذا الصدد على أهمية الفن في تكريس قيم إنسانية مهمة، كالتعددية والاختلاف والحوار واحترام الآخر، وقبل ذلك كله الحرية، حرية التعبير، وحرية التفكير.

وأفكر أيضا في الإفادة من التقنية بشكل أكبر لتسويق الروح العكاظية، كليبات صغيرة لمقاطع شعرية وفنية مخرجة بعناية، لكلمات أدبية، حوارات مختصرة مع الضيوف، ليتم بثها عن طريق فريق متخصص في الإعلام، عبر برامج التواصل الاجتماعي. كما أتمنى أن تزول مظاهر الاستعراض الزائد، ولا نريد لهذا العمق أن يضيع خلف وجه متخم بمساحيق التجميل المصطنعة.

 


عشوائية الاختيار


قال الباحث والأكاديمي صالح الصاعدي، لعل استحداث مسرح الشارع هذا العام يعتبر حدثا مهما في برامج سوق عكاظ الثقافية، إلا أن إلغاء المسرح العام كان محزنا للجمهور الذي يهتم بالمسرح.

ولعل الخيط المتقطع الذي اتسم به برنامج الندوات، يعتبر سلبيا ينبئ عن عشوائية في الاختيار، إن لم تكن محاولة لملء البرنامج، فما الرابط بين الهوية والخصوصية في مواقع التواصل الاجتماعي وندوة الشاعر عبدالله بن خميس مثلا. ومع كوني أحد المشاركين في إحدى هذه الندوات إلا أني ألمس شيئا من التشتت في اختيار هذه العناوين.

 


قناة فضائية


يعتقد الشاعر حسن الزهراني أن فعاليات عكاظ لهذا العام كانت مدهشة، والحضور مدهش أيضا فالأسماء كبيرة، والأوراق في الأغلب جيدة، وقال لأنني أحد أعضاء اللجان التي خططت لعكاظ، فسأقول إن كثيرا مما اقترحنا وجدناه على أرض الواقع وما زلنا ننتظر البقية، وقد طرحت فكرة أن يكون سوق عكاظ حيا طوال العام ماديا ومعنويا، أما ماديا فلن يعجز رجل بعبقرية "خالد الفيصل" أن يجعل من عكاظ سوقا تجارية عالميا طوال العام، وسوف يعود على الطائف تحديدا والوطن عامة بمكاسب اقتصادية وسياحية عظيمة، وأما المعنوي فقد اقترحت أن تكون مسابقات سوق عكاظ على شكل تصفيات ومراحل طوال العام، وأن تكون لعكاظ "قناة فضائية" تنقل كل ذلك، وتمنيت أن تستمر المساجلات الشعرية التي بدأها الزملاء في نادي جدة هذا العام، وأن تكون أيضا على شكل تصفيات مستمرة، لتنمية ذائقة الشباب ومهاراتهم اللغوية، وأتمنى أن يكرم الفائزون بتسلم جوائزهم من يد الأمير خالد الفيصل لما لذلك من انعكاس إيجابي على الفائزين.

 


حضور رمزي


أشادت الناقدة مستورة العرابي، بما جاء في البرنامج الثقافي "لسوق عكاظ" هذا العام، ورأت أن حزمة البحوث والأوراق التي قدمت كانت إضافة إلى السوق، وقالت إن الإضافة الأقوى واللافتة تمثلت في ندوتي "حماية الخصوصية في مواقع التواصل" و"الهوية الثقافية في العالم الرقمي"، باعتبارهما موضوعين حيويّين لابد منهما لمواكبة روح العصر وقفزاته. أما على مستوى الطرح - تحديدا - فقد كان على مستويات متفاوتة سواء أكانت ندوات نقدية أم أمسيات شعرية. وأما عن حضور المرأة في السوق فقد كان حضورا لافتا ليلة الافتتاح، في حين قلّ كثيرا داخل الخيمة الثقافية.

وأضافت، أعتب على المدعوين الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء الحضور للندوات النقدية، فقد كان حضورهم رمزيا على الرغم من الدعوات الكثيرة التي وجهت.

وأتمنى أن يكون هناك مشاركة قوية من قبل الأندية الأدبية في المملكة لصناعة برنامج العام القادم، لضمان التنوع في المنتج الثقافي وجودته، كما أتمنى فتح الباب واسعا للشباب للمشاركة وإدارة الندوات، وحثهم على المشاركة فيها بفعالية باعتبارهم بواكير التحول الوطني، والتوسع في ندوات الهوية الثقافية على السوشيال ميديا، لتصبح عكاظ المستقبل مواكبة لرؤية 2030، وكل عكاظ والثقافة إلى خير.