عاش العالم مساء الجمعة الماضية حالة من الترقب والمتابعة الدقيقة لتفاصيل المحاولة التي أثبتت بعد ذلك فشلها في الانقلاب على الحكم الشرعي في الجمهورية التركية، وقد شهدت تلك الحالة أوجها مختلفة تنوعت فيها المواقف وتسارعت فيها الأحداث وتقلبت معها الآراء، ولكن غلب عليها شبه توافق برفض تفضيل العسكر كخيار بديل للحكم مهما كان البعض يختلف مع الرئيس التركي ومنهجه في الحكم وولاءاته الحزبية.
وليس لي هنا رغبة في أن أعرج على الجانب السياسي لهذا الحدث الدراماتيكي الذي بدأ وانتهى في أقل من خمسة ساعات، الشيء الذي قد يراه البعض انقلابا كرتونيا لم يكن لديه مقومات النجاح من أساسه، ولكن ما يهمني هو الدروس التي يمكن أن نخرج بها من هذا الحدث الذي لو نجح لكان سيحدث تأثيرات كبيرة على المنطقة، ولأحدث تغيرات في العلاقات التي تربط العالم بمنطقتنا ربما لم يكن ليحمد عقباها.
الدرس الأول هو أن الشعوب لديها صوت متى ما كانت شجاعة بما يكفي لتخرج وتغير الواقع الذي يحاول فرضه إلى الواقع الذي اختاروه لأنفسهم، فلا قوة يجب أن تكون أقوى وأعلى صوتا من قوة وصوت الشعوب.
الدرس الثاني أن موالاة الشعوب لقادتها لا تتطلب أكثر من أن يكون القائد انعكاسا لرغبات الشعب، وأن يكون قريبا معهم في وقت الشدائد تماما كما هو عند الرخاء.
الدرس الثالث هو أن حب الأوطان يعبر عنه برفع أعلام الوطن التي لا يختلف حولها أي من طرفي المواقف داخل البلاد، فقد يختلف الناس على الأفراد ولكنهم لن يتخلوا وطنيا عما يجمعهم ويمثلهم وهو العلم.
الدرس الرابع أن بعضنا في "تويتر" يعشق في بلاد غيره ما يمقته ويرفضه في بلاده، فمواقف بعض الجماعات زايدت على حق الشعب في القرار بينما هي في بلادها تروج لاحتكار القرار.
بينما الدرس الخامس هو أن الإعلام العربي لا زال يعيش حالة من الاصطفاف رغم ذوبان حالات التوتر بين الدول التي تسير هذه القنوات، فالتابع أحيانا لا يستطيع أن يتحرر وإن أوهم بالتحرر، فهناك من روج بهدف تحويل الانقلاب في ذهنية المتلقي العربي إلى واقع، وهناك من قاوم من أجل إثبات العكس.
أما الدرس السادس فهو أن احتمالية تكرار ما حدث في بعض الدول العربية في دول غير عربية هو أمر ليس حتميا، وإن سألتني لماذا هو كذلك فجوابي: لأنه ليست كل الشعوب تتبع وتعادي الأسماء.