على الصورة الرسمية التي بثتها وكالات الأنباء من اجتماع نادي العشرين في سيئول الكورية: كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يحني رأسه وقد وضع أذنيه تحت شفاه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل. علم قراءات الصور يشير إلى دلالاتها حتى مع العلم أن تحليل الصورة العابرة قد يُحمَّل (بضم الياء وتشديد الميم المفتوحة) أكثر من معانيها العفوية الشاردة. تحليل البيانات يشير إلى أن المملكة العربية السعودية قد تكون الدولة الوحيدة من أعضاء ملتقى العشرين الأعظم اقتصاداً في الكون التي تتمتع بميل ورجحان في صالح ميزان مدفوعاتها البينية مع هذه الدول، أي أن قيمة صادراتها إلى كل هذه الدول على انفراد يفوق قيمة وارداتها منها بشكل لافت.

وفي الهند، احتفى الرئيس الأميركي بصفقة تبادلية قدرها عشرة مليارات دولار ومن أجل توقيعها اصطحب مئتي رجل أعمال أميركي ثم قال في مؤتمره الصحفي إن هذه العقود ستضمن 5000 وظيفة سنوية لقطاع الأعمال الأميركي.

وعوداً على بدء فإن موضع (آذان) أوباما المائلة للأدنى بمقدار خمس أصابع تحت جبهة وزير الخارجية السعودي في الصورة الرسمية يبرهن لي بكل زهو مواضع القوة. نحن من وقع الشهر الماضي أكبر صفقة تجارية عسكرية في التاريخ الأميركي، بل في تاريخ العقود برمتها، بمبلغ يصل إلى ستين مليارا وكم كنت سعيداً جداً وأنا أقرأ ما قاله بول هيربرت، المعارض للصفقة العسكرية مع السعودية في صحيفة (بوسطن غلوب) ما ترجمته "أن هذه الصفقة ستعزز مكانة السعودية كأكبر – لوبي – متنفذ في دهاليز واشنطن وأن على أميركا أن تدرك أنها كلما وسعت دائرة تعاملها الاقتصادي مع السعودية، أعطت الأخيرة مجالاً لإملاءاتها السياسية على صاحب القرار الأميركي". وبالطبع كسعودي، سأستصعب كتابة بعض هذه الإملاءات الجوهرية في تاريخ الأحداث ما بين بلدينا أو في القضايا الإقليمية والدولية التي يشير إليها معارضو النفوذ السعودي من الكتاب والسياسيين في الولايات المتحدة.

كل ما أريده هو التركيز على هوامش الدور السعودي وبالتحديد على التبعات التي يتطلبها هذا الموقع الاقتصادي الهائل في قلب الخرائط العولمية: لا يمكن أن تكون الفائض الاقتصادي الوحيد في قلب نادي العشرين العالمي (أقصد في تبادلاتها البينية) وأنت مازلت طوال عقود من الزمن تستمطر كل فكرة لتطوير نظامك التعليمي وإخراجه من مربعه الأول القديم ثم لا تلبث أن تكتشف أنك تعود إليه تحت ضغط كثير من الحناجر الصوتية التي تقابل رهبة التغيير بالتخويف.

تكتشف أنك تتصدر كل بلدان الدنيا في حجم المصروف المالي على الطالب الواحد ثم تكتشف بعد ذلك أنك في مرتبة (مئوية) في ترتيب القدرة على المنافسة. تكتشف أن حصيلة المخرجات من هذا التعليم عبر كل هذه السنين، وبعد أن صرفنا نيفاً عن تريليوني ريال في تسع خطط تعليمية خمسية لا تستطيع أن تتصدى لمتطلبات تنمية بلدها الإدارية والمالية والهندسية والتطبيقية.

لا يمكن أيضاً أن تكون في صدارة نادي العشرين ثم تكتشف أن البنية البنائية في القدرة على التصدي للمشاريع الوطنية الكبرى أقل بكثير من المؤمل في ضعف أداء الشركات أو في قدرة الكوادر الإدارية المختلفة على إدارة هذه المشاريع قبل أن تكتشف بالمفارقة أن هذا التباطؤ المخيف، رغم الوفرة المالية، يصفك بامتياز، متأخراً جداً، وأنت مازلت تدير أوراق الخطة الخمسية السادسة وأنت على أعتاب العاشرة.

تكتشف أن لديك خططاً خمسية على الورق لأنك مازلت غارقاً في أوراق خطط خمسية سابقة. لا يمكن أن تكون في صدارة نادي العشرين وأنا أختتم بحقيقة المثال البسيط التالي الذي أسرده لأنه ملموس مادي يعكس بكل صفاء هذا الفارق بين الموقع الاقتصادي الضخم وبين الواقع المعاش: لا تهبط في كل مطاراتنا طائرة واحدة من شركات أميركا وكندا والصين واليابان وكوريا والبرازيل وروسيا، وبالرقم المعلن، مجرد أربع شركات من كل أوروبا الغربية. هذه الحقيقة لا تقرأ نفسها فحسب، بل تقرأ شيئاً من واقعنا الذي مازلنا نبحث عنه.