كشف الباحث اليمني محمد يحيى عزان مؤسس "حركة الشباب المؤمن" في صعدة أسرار تأسيس الحركة وما مرت به من مواقف، وحقيقة الخلاف الذي نشب بينه وبين مؤسس جماعة "أنصار الله" الانقلابية حسين الحوثي، الذي قال إنه يتبع النهج الإيراني في أفكاره، بل يسير بوتيرة أكثر تعصبا في تأييد مراجع طهران، والدعوة إلى ولاية الفقيه.
ووجه عزان انتقادات شديدة للانقلاب الذي قام به الحوثيون على الحكومة الشرعية، مؤكدا أن آثاره السالبة سوف تنعكس عليهم مستقبلا.
في هذه الحلقة يؤكد عزان أن أوجه الاتفاق بين أهل السنة والمذهب الزيدي أكثر من أوجه الاختلاف، مشيرا إلى أن أهل اليمن لم يعرفوا من قبل الخلافات الطائفية، وعاشوا جنبا إلى جنب وأن ذلك ثابت تاريخيا.
وحدة المرجعية
- بداية نود منكم وبصفتكم أحد علماء الزيدية أن تعطونا لمحة عن الزيدية ؟
الزيدية تيار سياسي قبل أن تكون مدرسة دينية، كانت بداياتها على يد الإمام زيد بن علي المتوفى سنة 122م الذي ذهب إلى جواز الخروج المسلح على الحاكم الظالم ودعا إلى ذلك، ولكن بضوابط وشروط جعلتها مختلفة عن مدرسة الخوارج. ومع مرور الزمن تحولت إلى تيار ونشأت في ظلها مدارس فقهية لا تعتمد بالضرورة على ما ورد عن الإمام زيد بن علي، ولكن أئمتها يتفقون مع الإمام زيد في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لا يستثني الحكام.
- ذكرت القرآن، هل يعتقد الزيدية أن للقرآن تفسيرا خاصا لا يفهمه إلا أهل البيت كما يزعم بعض الشيعة، ويلمح إليه حسين الحوثي في ملازمه ؟
بالتأكيد لا يعتقد الزيدية أن القرآن رسالة خاصة لا يفهمه إلا فريق من الناس، بل القرآن نص عربي خاطب الله به الناس ومكنهم من فهمه في إطار اللغة والسياق وما أثر عن النبي، وأهل البيت في ذلك كغيرهم، ومدعي الخصوصية إما جاهل أو متأثر بالتيار بالغلاة من الإمامية الذين يقصرون فهم الدين على الأئمة.
وما أشرت إليه من كلام حسين الحوثي رأي يخصه هو، والزيدية على خلافه بمن فيهم والده بدرالدين الذي حذر من هذا القول في كتابه "التيسير في التيسير" ونفاه نفيا قطعا ونسبه إلى الغلاة من مدعي التشيع لأهل البيت.
اتفاق المصادر
- ما هي مصادر السنة عند الزيدية، وما الفرق بين كتب الحديث لدى أهل السنة والزيدية ؟
مصادر السنة عند الزيدية هي كتب الحديث التي دونها علماء الحديث أيا كان انتماؤهم المذهبي، لأنهم عبارة عن مدونين جمعوا ما بلغهم من الحديث النبوي وفق ضوابط يفرضها منهج النّقل والتّوثيق، ابتداء من موطأ الإمام مالك بن أنس المتوفى 177هـ. ومرورا بـ بالطيالسي "133 - 204هـ"، وعبدالرزاق الصنعاني "126 - 211هـ" وابن أبي شيبة "159 - 235هـ"، وعلي بن المديني "161 - 234هـ"، وإسحاق بن راهويه "161 - 238هـ"، وأحمد بن حنبل "164 - 241هـ"، ثم من جاء بعدهم من المتفننين في تصنيف الحديث وترتيبه كالبخاري "194 - 256هـ"، ومسلم بن الحجاج "204 - 261هـ"، وأبوداود السجستاني "202 - 275هـ"، ومن الزيدية أحمد بن عيسى بن زيد "247هـ" ومحمد بن منصور المرادي "حوالي 290هـ" وطبقتهم، ومن جاء بعدهم إلى مشارف القرن الرابع.
- هل تعني أن مدونات الحديث النبوي عند الزيدية هي نفسها مدونات الحديث عند السنة ؟
هو ذاك، لأن من دوَّنوها فعلوا ذلك على أنها تراث الأمة وليست تراث فئة مُعَيَّنة، ولذلك تجد البخاري ومسلم وغيرهم يروون مئات الروايات عمن نعدهم ويعدهم أهل السنة من تلامذة وأنصار الإمام زيد والرواة عنه، أمثال: الأعمش ومنصور بن المعتمر والحسن بن صالح بن حي وشعبة بن الحجاج وسلمة بن كهيل والعشرات، كما في تهذيب الكمال للمزي. فكتب الحديث ليست خاصة بما صار يعرف بمذهب أهل السنة ولكنها مراجع حديثية لكل المسلمين، ولكل منهجه في تقييم الروايات ونقد أسانيدها وتفسير مضامينها.
أوجه الخلاف الشيعي
- هل لك أن تبين لنا الفروق الجوهرية بين الزيدية والشيعة الاثني عشرية، فيما يتعلق بمصادر التشريع والمسائل الكبرى؟
على الرغم من أن التشيع كإطار عام يجمع الزيدية والاثني عشرية والإسماعيلية، إلا أن بين العناوين الثلاثة فروق جوهرية يقضي بفداحة خطأ من يساوي بينها في التَّقييم والنّقد، ومن أبرز مظاهر الخلاف:
أن الزيدية لا ينظرون إلى النص على إمامة علي بن أبي طالب، على النحو الذي تراه الإمامية "أنه نص قطعي الثبوت والدلالة"، ولذلك يحمل جمهور علماء الزيدية من تقدمه من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم على السلامة، ولا يسبون أو يتبرؤون من فضلاء الصحابة، ويجلون أمهات المؤمنين.
• ينكر الزيدية أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على اثني عشر إماما بأعيانهم، ولا يرون أن أحدا من الأئمة معصوم، أو أنه يعلم المستور المغيب، أو أنه يكون عالما دون تعلُّم، بل يحتاج إلى تعلم ويتم اختياره من قبل الناس، وكلامه ليس تشريعا ملزما، وهو معرض للخطأ والفسق والكفر كغيره من الناس.
• ولا يرون صحة القول بأن المهدي المنتظر قد ولد، وأنه غائب في سرداب أو غيره، وإن كانوا يرون أن ثمة أخبار عن المهدي لا تختلفون عما يرويه أهل السنة في الموضوع.
• القرآن نص موجه لهداية الناس وإرشادهم، لا زيادة فيه ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير، وقد جاء بلسان عربي واضح يفهم كل مكلف ما كُلِّف به منه، ولا يحتاج فهمه إلى إمام ظاهر أو مندوب عن إمام غائب كي يكشف معانيه الباطنة أو يتأول دلالته الظاهرة.
• يعتمد الزيدية في التشريع ما صح عن النبي مما جاء في سائر كتب المسلمين من السنة النبوية المروية من طريق الصحابة والتابعين وتابعيهم، ومن روى عنهم من المحدثين من أي فرق الإسلام كانوا، ولا يُرَدُّ منها إلا ما لم يصح بموجب الضوابط العلمية المدونة في كتب الأصول.
• أهل البيت في نظر الزيدية كسائر الناس ليسوا معصومين عن الخطأ، وليست أقوالهم حجة على أحد، بل يؤخذ من أقوالهم ويرد، ولا يلتفت إلى شيء منها إلا ما دل عليه الدليل الشرعي المعتمد على صريح القرآن وصحيح السنة.
• فكرة المرجعيات الدينية المتمثلة في أشخاص يتعين تقليدهم على وجه الخصوص، فكرة سياسية غير لازمة دينيا، إذ الأصل أنه يجب على كل مكلف النظر، ولا يجوز له تقليد غيره في مسائل العقيدة. وفي مسائل التشريع يجوز للعوام القاصرين عن فهم النصوص تقليد المشهور من أئمة العلم في زمانهم، أما غير العوام فعليهم أن ينظروا في مسائل الشريعة على قدر استطاعتهم ليتعبدوا لله وفق قناعتهم هم. وأما المسائل السياسة فهي مسائل دنيوية لا يختص أحد بفهمها، لذلك يتعاملون فيها بالتوافق مع سائر شركائهم في الحياة حسب ما تقتضي مصلحة المجتمع.
وهذه فروق جوهرية، غير أن العمل الحركي والتحالفات السياسية تقتضي أحيانا تجاهلها والاقتصار على التفكير فما يجمع الطرفين في الإطار العام للتشيع، خصوصا عند الاستنفار لمواجهة طرف هنا، والتصدي لطرف هناك.
تطاول الحوثيين
- المذهب الزيدي يجل الصحابة ويقدر مكانتهم، بينما الحوثيين يدعون أنهم من الزيدية ويشتمون ويسيئون للصحابة، كيف ترى هذه المفارقات؟
ما نعرفه عن الزيدية أنهم يجلون صحابة النبي ولا يرتضون سبهم، ويفرقون كغيرهم من علماء أهل السنة بين مقامات الصحابة وكذلك النّقد التاريخي والسباب. وقد ألفت في هذا الموضوع كتابا في نحو 300 صفحة بعنوان الصحابة عند الزيدية فصلت فيه رأي الزيدية في هذه المسألة ووثقت ذلك بالنقل عن أكثر من مئة وعشرين مصدرا من أشهر كتب الزيدية على مر القرون.
ومن يسب الصحابة من الحوثيين أو غيرهم يتحمل جريرة فعله وليس له أن يلصقها بالزيدية.
- عاش المذهبان السني والزيدي متجاورين لقرون طويلة، صف لنا طبيعة هذه التعايش؟
منذ وعيت بنفسي في المدرسة الدينية وأنا أقرأ آراء الأئمة الأربعة جنبا إلى جنب مع آراء الإمام زيد وغيره من أئمة الزيدية بل كنت أقرأ في شرح الأزهار ترجيحات لما ذهب إليه الشافعي وأبوحنيفة ومالك وابن حنبل والثوري وغيرهم. وهذا مما جعلنا نستغرب موجة الفرز الطائفي الذي تشهده بلادنا نتيجة لحدة التطرف في المدارس الدينية الناشئة القائمة على السطحية وردات الفعل.
والسلفية في نظرنا ليست مذهبا فقهيا ولكنها منهج للتعاطي مع النصوص الدينية، وهي موجود في مختلف المذاهب لأنها تعني تفضيل وترجيح ما مضى عليه السلف باعتبارهم أقرب إلى عصر التشريع وأعلم بما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ففي كل مذهب فقهي وفكري سلفية يعتمدون كلام أسلافهم في تفسير النصوص الدينية.
جناية الانقلابيين
- يحيى الحوثي شقيق حسين بدرالدين الحوثي قال إن ما يحدث في صعدة هي حرب ضد أبناء المذهب الزيدي، كيف تفسر وأنت الباحث المحقق في الزيدية، إصراره على جر جميع الزيدية إلى ساحة الصراع، والإصرار على جعل المذهب الزيدي عنوانا للمواجهة؟ وهل انعكس أثر ذلك على الزيدية؟
هذا كان في عام 2005 وقد رددنا عليه في حينه بأن الصراع سياسي وليس مذهبيا، وإنما أراد أن يحتمي بالزيدي ويستنفر العصبيات لتوسيع دائرة المواجهة وذلك ما حدث وللأسف بسبب سوء إدارة الأزمة من بدايتها، أما الزيدية كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ من الهوية اليمنية ولا يمكن لسلطة أن تعلن عليها الحرب لأنها بذلك تعلن الحرب على نفسها.
وما يفعله الحوثيون اليوم ومن قبل يفترض أن يحسب عليهم هم، وليس على المذهب الزيدي أو حتى على الأسرة الهاشمية، لأن هنالك من يختلف معهم ومن يتفق، وليس بمقدور كل الناس أن يعبروا عن قناعاتهم تجاه حركة تفرض نفسها على الحياة العامة بقوة القهر والغلبة.
- كيف ترى أثر الحوثيين على تشويه المذهب الزيدي؟
لا شك أن لكل جماعة سياسية أثرا سلبيا أو إيجابيا على الخلفية الفكرية والدينية التي تنتمي إليها، ونلاحظ أن المذهب الزيدي كفكر وتراث مألوف في اليمن قد وضُع بسبب الحركة الحوثية في دائرة التجاذبات السياسية، ما دفع فُرقاء الحوثيين إلى اتخاذ موقف سلبي من المذهب الزيدي، وهذه جناية ندعو الحوثيين وخصومهم دائما إلى إبعاد المذاهب والتراث الديني عن أعمالهم الدعائية ومنافستهم السياسية.