قبل مدة، أصبحت الطفلة "رغد دايز" هي حديث المجالس ونجمة مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبح وسم رغد دايز لدى السعوديين هو الأكثر جدلا والأسخن نقاشا.
فلماذا يحدث كل هذا؟ ومن هي رغد، وما إنجازاتها، وكم أمضت عمرا لتبلغ هذا القدر من النجومية والانتشار؟
الإجابة عن ذلك ستقودكم حتما إلى النتيجة نفسها التي توصلت إليها، والتي ستتأكد عندكم عندما تعلمون أن رغد دايز هي مجرد فتاة في سن المراهقة، لكنها مع ذلك تعد نجمة سنابية، ويتابعها حوالي مليون ونصف المليون متابع!.
أرجو ألا تسألوني عن سبب هذه الحظوة، لأنني حقيقة لا أعرف دوافع الانجذاب التي جعلت متابعيها يدورون في فلك المليون ويزيدون.
لكن الذي أعلمه، هو ما أحدثه إعلانها عبر تطبيق "سناب شات" عن حضورها أحد المولات التجارية في جدة. حيث اكتظ السوق بمئات الفتيات المعجبات، حتى لم يبق فراغ لموطئ قدم.
ووصلت رغد إلى المجمع التجاري، فتحول السوق إلى فوضى من التدافع الذي كان ينذر بالمخاطر، مما اقتضى تدخل أمن المجمع، والحيلولة دون وقوع المأساة.
كنت في السابق ألاحظ مندهشا ردود الفعل الجماهيرية عند صعود أحد المطربين المشاهير إلى خشبة المسرح. كذلك الحال مع بعض الهوس والهلوسة التي تصيب البعض أمام بعض نجوم هوليوود، لكن بعدما يكون ذلك النجم قد أمضى سنوات عدة، وحاز دور البطولة في كثير من الأفلام، والأهم في ذلك هي الرمزية التي تتخلق فيها مكانة ذلك النجم، وترسخها في نفوس الجماهير.
لكن في مجتمع محافظ مثل ما عندنا، فإن ما حدث مع رغد دايز يؤكد -في ظني- أن شبابنا وشاباتنا يعانون كثيرا من الفراغ، ومن تقلص مساحات الترفيه والتنفيس، وبالتأكيد فإن الجفاف والشح الترفيهي قد أوجدا هذا الاندفاع مع رموز ونجوم "السوشال ميديا"، حتى ولو لم يكن لدى هؤلاء النجوم محتوى مقنع، ويبرر لوي الأعناق.
ويؤكد الواقع تباعا أن وسائط التواصل الاجتماعي أسهمت في فتح النوافذ والأبواب، فدخل الذباب والهباب والمتردية والنطيحة، وضاع أصحاب المحتوى الجيد بين أقدام السذج والمهرجين، واستطاعت "الميديا" الحديثة أن تعلي من مكانة وقدر كثير من التافهين، وما يروجونه من تسطيح واستظراف بحجة التنكيت.
ولأننا مجتمع بلا مسرح ولا سينما، فقد سيطرت الكوميديا على نتاجنا الفني الدرامي، وهذا بدوره انعكس محاكاةً واقتداء لدى مستخدمي الوسائط الحديثة، بحيث أصبح معظم ما ينتج يصب في خانة استدرار الضحك.
لقد همشت الوسائط الحديثة المبدعين الحقيقين من الشعراء والكتاب والقصاصين، وصارت الغلبة لأرباع المتعلمين، وأنصاف الأميين، وحشد من الفارغين.
اللهم لا حسد، فهذا زمنهم وزمن "السناب"، واللعب في أرضهم، وقد نحتاج إلى وقت غير يسير لتعود الأمور إلى شيء من العقلانية والتوازن برحمة الله.