الكثير من الإسقاطات العميقة لما هي عليه المرأة العربية داخل مجتمع ذكوري متدين حتى الثمالة تدور وبسياق حسي وتاريخي في رواية (الكافرة) للكاتب العراقي علي بدر، وهي آخر ما صدر من أعماله بعد روايات ثرية مثل (بابا سارتر) و(الوليمة العارية)، ومن الطبيعي أن تحظى الرواية بقبول كبير لدى النساء والنقاد، وكما لم تُلق المجتمعات بالاً لما يتآكل وينهش حياة المرأة العربية والمسلمة بشكل ما ولم تلحظه؛ يقول علي بدر إنه لم يلحظ حيوات النساء في كتاباته، ولكنه في هذه المرة قرر أن يتقمص صوتها ويسبر أغوار حيواتها، وبهذا استعار علي بدر صوت المرأة ليكون الراوي، وهو أحد أساليب السرد التي تقرب رؤية الروائي وفكره وقناعاته على لسان شخوصه.
رواية (الكافرة) هي نتاج مرحلي جسد التغيرات الاجتماعية والفكرية التي فرضتها مرحلة الصراع الديني لتسجل كوثيقة مقروءة ومحسوسة لحياة النساء ضمن دائرة العنف الذي عكسته النظرة الدينية المشوهة والدونية والتي جعلت المرأة أداة للمتعة الحسية في الدنيا ومجرد مكافأة أخروية في الجنة، فالسبعون حورية يخطفن أزواجهن وأولادهن ويقذفن به بين فكي صراع الفناء حيث لا مكان لهن في جنة ما. وبين الحياة والجنة يمرر الجحيم ليصبح جزءا لا يتجزأ من حياتهن وهي الحياة التي تبدو كنقطة بين قوسين صغيرين وضيقين نقطة لحكاية قدرية تحاك في الجحيم.
تبعث رواية (الكافرة) برسالة عميقة للتوقف على نصل الأسئلة الموجعة التي لم يتمكن النساء من رفع أصواتهن بها، إنهن النساء اللواتي عُذبن لأنهن نساء، اغتصبن لأنهن غنيمة، انتهكت حياتهن لأنهن المادة الأكثر خصباً في المجتمعات المتدينة، حيث مارس التوحش التاريخي دورا كبيراً في تشكيل حياتهن لمصلحة الرجل حتى وإن كان مختلا أو ناقص الأهلية.
فاطمة التي أصبحت (صوفيا) ليست مجرد حكاية، بل هي تاريخ من الاستلاب والتنكيل والتهميش للكيان الأنثوي الذي قرر أن يستيقظ ويغير الطريق والاسم والمكان والديانة، وهذا ليس كل شيء، ففاطمة المرأة العراقية هي وجه آخر لكل امرأة على امتداد بلاد العرب. هي المرأة ذاتها التي تعيش على أطراف قرية بعيدة ومدينة باذخة وسهل وجبل، وفي كل مكان تغيرت الأحداث ولكن الحكاية ذاتها، تخطفهن وتستبيحهن، فهي سبية في حروب طائفية بمكان ما، وسبية نتاج ظروف عرقية في مكان آخر.. كلهن فاطمة، وكلهن قد يصبحن يوماً ما صوفيا.
رواية (الكافرة) أكثر من رواية. هي مرآة تعكس حياة ملطخة بالعنف والعار والألم الإنساني للمرأة لتقول إن هذا قديم قِدم كل تاريخكم.