أثناء دراستي في مجال إدارة الأعمال، كانت تتردد على مسامعي بعض المصطلحات المتكررة في كل منهج دراسي، كالتخطيط والتوجيه والتنسيق، وآخرها مصطلح الرقابة الذي كان المصطلح الأكثر تكرارا وتفصيلا في جميع الموضوعات.

ظننت في بادئ الأمر أن مؤلفات الإداريين العرب، رغم تعددها، في هذا المجال أنها مجرد اقتباس مفضوح ومتكرر من دراسات فريدريك تايلور، وهنري فايول، وإلتون مايو، فمن المستحيل توقع أن العرب المنشغلين بالبحث عن الحريات كانت لهم دراسات في موضوع الرقابة، حتى لو كانت موجهة للحفاظ على المال العام، إلا أنه مع مرور الوقت والتعمق في هذا المجال تبين لي أن وظيفة الرقابة تعد أشبه بالأرضية المتينة التي على أساسها ينتج المعماري بناءه الذي يطمح إليه. كذلك الحال في الحكومات التي ترى أن وظيفة الرقابة هي الأساس في الإدارة الصحيحة لأجهزة الدولة.

ربما يكون من الأولى إعادة النظر في أداء الجهات الرقابية عند البدء في أي خطوة تجاه الإصلاحات الاقتصادية، فلا يمكن تحقيق العائد الذي نطمح إليه من هذه الإصلاحات ما دامت الأجهزة الرقابية والضبطية تعمل وفق منهجية شبه منقرضة.

أعتقد جازما أن السبب الرئيسي لمشكلة الفساد الإداري، هو منهجية المؤسسات الرقابية والضبطية والتحقيقية التي تحوي كثيرا من الثغرات المكشوفة وغير الصالحة، منها تفاوت صلاحيات الرقابة والضبط بين الجهات ذاتها على الرغم من الهدف الموحد، بحيث تمتلك المباحث الإدارية وهيئة التحقيق والادعاء العام الصلاحيات التي تفتقدها هيئتا مكافحة الفساد والرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العامة، إضافة إلى ازدواجية التوجه وانعدام التنسيق فيما بين الجهات الرقابية، كأن تتم مراقبة مشروع أو دائرة معينة من جهازين في الوقت نفسه دون أي تنسيق بينهما، مما يخلق تداخلا وتشتيتا في الهدف، وبالتالي نشوء حالة من الاتكالية على بقية الأجهزة.

فإذا كان لا بد من عدم توحيد الأجهزة الرقابية تحت مظلة واحدة، فإنه من الأدعى توحيد مرجعيتها وتطوير المنهج الذي تسير عليه هذه الجهات، وخلق تنسيق بينها وبين بقية الوزارات والمؤسسات الحكومية بعد مساواة صلاحياتها.

لا بد من التأكيد على أن الرقابة هي السلم الذي تعلو خلاله درجة الشفافية في التعاملات، ومنه تقل مظاهر الفساد في المجالات كافة.