يتداول العديد من المواقع والحسابات الإسلامية في مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا نقلا عن صحف وقنوات غربية شهيرة أن الحكومة الصينية تمنع مسلمي الصين من الصيام خلال شهر رمضان، وأنها تمنع تعليم القرآن وتسجن من يحفظه، وأضحكني تقرير نشرته مجلة إسلامية خليجية بعنوان: ماذا تفعل الصين لتعذيب المسلمين؟ وذكر التقرير أن الشرطة الصينية قتلت طفلا لم يتجاوز 12 عاما خلال احتجازه في قسم الشرطة بتهمة حفظ القرآن سرا، ولا أعلم كيف يمكن لحكومة الصين أن تسمح بالصلاة في المساجد وتحميها وتسمح بقراءة وحفظ القرآن فيها بينما في نفس الوقت تقتل طفلا بتهمة حفظ القرآن سرا!

كنت أقرأ مثل هذه الأخبار بسخرية لأني أعلم مدى زيفها بحكم إقامتي في الصين، ومعرفتي بحقيقة حرية الأديان التي تكفلها الحكومة الصينية للجميع، فعند قدومي أول مرة إلى الصين أذكر أني سكنت في فندق صغير وسط إحدى المدن في مقاطعاتها الوسطى، وكنت أعتقد أنه من الصعب أن أجد أي مسجد، وخاصة أني عند بحثي عن هذه المدينة في مواقع الإنترنت قبل قدومي إليها لم يتضح أنه يوجد مسلمون من سكانها الأصليين، لذلك كانت مفاجأة كبرى بالنسبة لي أن أجد مركزا وجامعا إسلاميا كبيرا وسط المدينة، وحوله العديد من المطاعم ومحلات المواد الغذائية الإسلامية، وقد رفعت شعار "حلال"، وبعض تلك المطاعم وجدت العاملات فيه يلبسن الحجاب، وخلفهن لوحات جدارية تحمل صورا جميلة ومعبرة للمسجد النبوي الشريف والحرم المكي. رغم أن عدد المسلمين في هذه المدينة قليل جدا ولا يقارن بعدد المسلمين في المدن الأخرى إلا أن الحكومة الصينية منحتهم الحرية لأن يبنوا مساجدهم في أي مكان يريدونه، ولا تمنعهم من أداء صلواتهم الخمس، بل إنها توفر لهم رجال الشرطة للحماية والتنظيم كل صلاة جمعة، وفي صلاتي عيدي الفطر والأضحى أيضا.

لا يمر أسبوع دون أن أقرأ في مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا تتعلق بمحاربة الحكومة الصينية لمسلمي الصين، وليقيني بكذب مثل هذه الأخبار قررت أن أكتب هذا المقال لإيضاح حقيقة مثل هذه الشائعات، ولماذا تتداولها وسائل الإعلام الغربية وتترجمها وتنقلها بسذاجة المواقع والمجلات الإسلامية دون التأكد من صحتها.

بدأت قصة وشائعات أن الحكومة الصينية تقمع مسلمي الصين من إقليم "شنجان" أو تركستان الشرقية التي ضمتها الصين إليها عام 1949، وهي مقاطعة صينية ذاتية الحكم تقع غرب الصين، وأغلب سكانها من الأويجور، وهو شعب مسلم ذو أصول تركية، تحولت هذه المنطقة إلى الإسلام عندما اعتنق حاكمها عام 934م ديانة الإسلام وجعلها الديانة الرسمية للبلاد، وسكان هذا الإقليم ما زالوا يرفضون الانضمام إلى الصين حتى الآن، ويقاومون من أجل الاستقلال، وخاصة أن أراضيهم غنية بالنفط، وقامت الحكومة الصينية بوضع خطة لتوطين 200 مليون صيني في أراضيهم بهدف جعل سكان المنطقة الأصليين من الأقلية، ودمجهم بالثقافة الصينية وإلغاء ثقافتهم الأصلية. ووقع العديد من المقاومات من سكانها الأصليين مطالبة بالاستقلال عن الصين، وأن تصبح دولة مستقلة بدلا من مقاطعة تحت سلطة الحكم الصيني، ففي عام 1990 قامت مجموعة من شباب الإيجور بثورة مسلحة انتهت بهزيمة كبيرة لهم مخلفة المئات من الجرحى والقتلى، وقاموا أيضا عام 1997 بمظاهرات اضطرت الحكومة الصينية إلى قمعها بالقوة العسكرية، وفي عام 1999 تم اعتقال 29 شخصا بتهمة محاولة القيام بمظاهرة مناهضة للحزب الشيوعي وتم إعدام 2 منهم، وفي أغسطس 2008 تم تنفيذ عمليتين تفجيريتين بالقرب من مركزي شرطة راح ضحيتها 35 شخصا، وعملية انتحارية في 2009 ضد سيارة أودت بحياة منفذها وإصابة اثنين يستقلان السيارة، ومظاهرات كبرى تعم إقليم شنجان عام 2009 قاومها الجيش الصيني بقوة، توفي على إثرها 190 شخصا، وتم اعتقال أكثر من 10 آلاف شخص. كل هذه المقاومات التي قام بها سكان شنجان الأصليين من الإيجور مطالبين بالاستقلال لم تنجح، فذهبوا يوهمون العالم بأن مقاومة الحكومة الصينية لمطالباتهم بالاستقلال بأنها حرب ضد الإسلام، وأعتقد أنها خطوة غبية، وخاصة أن المطلعين على الداخل الصيني يعلمون أن المسلمين في كافة مناطق الصين يمارسون ديانتهم بكل حرية، فليس من المنطقي أن تمنع الحكومة الصينية ممارسة شعائر الإسلام في إقليم شنجان بينما تسمح بها في كافة أراضي الصين.

يعزف سكان إقليم شنجان – تركستان الشرقية سابقا - على وتر العاطفة الدينية لكسب التعاطف العالمي، وكسب التأييد الدولي لمنحهم حقوقهم الدينية، بينما هي في الواقع مطالبات سياسية للاستقلال لا دخل للدين الإسلامي بها، ولو كانوا يعتنقون أي ديانة أخرى لواجهوا نفس المعاملة من الحكومة الصينية التي تصر على جعل هذه المنطقة تحت حكمها، ولا تسمح بأي مظاهرات أو عمليات تفجيرية أو انتحارية أو استغلال الإجراءات الأمنية التي تقوم بها الحكومة الصينية لمنع أي مشاكل بأنها حرب ضد الإسلام أو أنها ضد حرية الأديان التي تكفلها الحكومة الصينية لكل شعبها ومقيميها ولا تمنع أي ديانة أو معتقد، بل تؤمن بحرية الأديان، وتسمح بإقامة وبناء المساجد للمسلمين، والمعابد للبوذيين والكنائس للمسيحين، وتكفل لكل شخص القيام بكل طقوسه ومعتقداته الدينية دون أي تعقيد.