ليس هناك أصعب على المرء من لحظات وداع قرائه المحبين، خاصة على صحافي عريق كان ولاؤه دائما لهم طوال رحلته التي امتدت لما يقرب من نصف قرن، إنه الزميل العزيز الصحافي والقاص "علي محمد صالح الحسون"، والمترجل عن صهوة رئاسة تحرير "البلاد"، والذي كتب الأحد الماضي مقالا في زاويته المشهورة "من المحبرة" تحت عنوان "تلويحة الوداع" قائلا:

"وأنا الآن انظر إلى الخلف منذ أن بدأت أو عاودت الركض في هذا العمل الممتد لحوالي خمسين عاما، أجد من المناسب أن أضع في صفحات هذا الكتاب المليء بالابتسامات وبالدموع، ريشةً لا تتوقف، وأمددت يدي إلى إرخاء فتيلة "القنديل" لا لإطفائه، ولكن ليكون نوره أخف يوضح معالم الطريق لا إعتامه..".

وقد ترددت كثيرا في كتابة سطوري هذه لمعرفتي التامة بأن الأخ الكبير "علي حسون" أكبر بكثير من الحروف والكلمات التي تكتب عنه، وقد تنتقص من مكانته، فالكلمات قد لا تأتي بما يكنه الفؤاد، إلى جانب علمي التام بأنه لا يحب الثناء والمدح فيما يقوم به.

وهنا، أذكر بعض كلمات معالي الدكتور محمد عبده يماني "رحمه الله" عن "الحسون" إذ قال: ومن أجمل ما لاحظته فيه عندما كنت وزيرا للإعلام، أنه كان يلقى الجميع بروح طيبة وثقة عالية، وقدرة على الابتسام في وجوه الآخرين، وقدرة على نكران الذات واحترام الرأي الآخر..".

ولعل كلمة السر في شخصيته، هي القدرة على الصمت، يقول الدكتور عبدالعزيز الصويغ: "دائما ما يكون صامتا ومتأملا في جلساتنا اليومية، لا يعرف أحد ماذا يدور في أعماقه، لكنه إذا تحدث فإنه يعبر عن رأيه بنحو مباشر وصريح".

يُعرف الصديق الغالي "علي محمد الحسون" أنه يحمل لقب "أيوب الصحافة السعودية"، يقول عنه رفيق دربه الكاتب محمد صادق دياب "رحمه الله" الذي رافق صديقه في أكثر من موقع صحافي ابتداء من صحيفة "المدينة"، ومرورا بملحق الأربعاء "الصادر عنها أيضا"، وصولا إلى صحيفة "البلاد":

"هو حقا أيوب شارع الصحافة السعودية، عرفته قبل أكثر من ربع قرن، ومشواره في مجال الصحافة من أكثر المشاوير ثراء وعطاء وجدية وتجربته في صحيفة "البلاد"، تجربة صعبة لا يقدر عليها إلا كبار الصحافيين".

وهنا، أذكر قبل سنوات، وفي إحدى أزقة المدينة، كنت قد قابلت رجلا سبعينيا كان يتحدث معي عن كرة القدم في المدينة أيام زمان، وإذا به يقول بلهجته الحجازية: "علي حسون كان ما في أخوه في النص لما كان في فريق أحد"، وبعدها بدأت انطلاقته الصحافية مراسلا رياضيا لجريدة "المدينة"، وربما كانت المهارة الرياضية هي أيقونة السر في أن يصبح رئيسا للتحرير كبقية زملائه الذين وصلوا إلى مقاعدهم من خلال الرياضة.

"علي حسون" يعتبر أبرز وأفضل الرؤساء الذين مروا على صحيفة "البلاد"، هو والزميل الأستاذ "قينان الغامدي".

يترجل "الملهم" علي حسون من بلاط صاحبة الجلالة بعد مسار إنساني وعملي كبير، اختار من خلاله اللغة والشكل الذي صاغ به مسار جريدة البلاد، وفتح دائرة الأضواء لكثير من المبدعين والموهوبين السعوديين.

نعم، سيبقى علي محمد الحسون روح ونبض الصحافة السعودية.