ميزة الإدارة أنها فن إنساني قبل أن تكون علما له أسسه ومفاهيمه ومحدداته، وهو ما يجعل المشتغل في هذا المجال قادرا على ابتكار أنماط جديدة، تعيد توزيع أوزان الجوانب النفسية والعملية والشخصية في خلطة المكونات، لتخرج معها أساليب جديدة أكثر فعالية ومناسبة مع متغيرات الزمان والمكان.

النمط المستعمل بشكل واسع، والذي يمكن تسميته بالتقليدي، هو الذي يعتمد على أسس متوارثه، نواته السيطرة على البشر والحجر، أكثر من اعتماده على القدرة على تحريك هذين المكونين لتحقيق الهدف، ولا خلاف في أن هذا النمط له أتباعه نتيجة تجذره باعتبار النمط الأقدم مبنيا على مكوني المسيطِر والمسيطَر عليه، فكون المدير يتعامل وكأنه في طابور عسكري لا يقبل الرأي ولا يشاركهم، قد جعل من فريقه مجرد أدوات تخدم أكثر من كونها تضيف أو تحدث فرقا.

شخصيا، لا أميل إلى المدارس الدكتاتورية في أي نمط إنساني، فأرفضه مهما كانت المبررات، وأجد فيه رجعية على المستوى الإداري الاجتماعي، ولعل من حسن الحظ أني، وبعد أكثر من 25 عاما في مجال العمل، لم يمر بي مثل هذا النموذج على الأقل حسبما تسعفني به الذاكرة.

في المقابل، أرى أن نمط الإدارة المناسب لتحقيق الأهداف، يعتمد بشكل أساسي على مشاركة فرق العمل، باعتبارها العامل المنفذ للخطط التي كما أرى يجب أن تبنى وفق رؤية تحدد من أعلى، ولكن بآليات تطبق وفق رؤى فرق التنفيذ. فمشاركة الرحلة يجب أن تكون بالتوافق لا بالفرض، فقائد الجيش عليه أن يضع الخطط، ولكنه لن يتمكن من تحقيق النصر إن كان الجندي غير راغب أو غير مدرك لكيفية إطلاق الرصاصة.

الإدارة هي النفوذ في نظر البعض، والنفوذ كما أراه ليس بكم تملك أو بكم في يدك من قوة في تحديد مصير أكبر قدر من الأفراد والجماعات، فالدول اليوم تقصف خصومها بالريموت كنترول لا بالجنود والحشود، ودول صغيرة غيرت موازين اللعبة الإقليمية، فالحجم لا ثقل له كما يقال في الغرب.

خلطة النفوذ المؤثرة، إن كنا نسعى إليها، تكمن في عوامل خمسة، كما أرى، هي: بناء التحالفات، وخوض المغامرات المضمونة النجاح، والرهان على نقاط القوة الكامنة في الفريق، والافتكاك من مصادر القلق العملية والبشرية، وتحديد وتحقيق أهداف تضيف لك ولفريقك.

أما الإدارة، فهي فن موازنة خلطة النفوذ، والعمل على ترك بصمة على أرض الواقع تحدث تغييرا للأفضل، والنظر إلى نفسك على أنك معلم لا قائد سرية، وللمكان باعتباره مرحلة انتقالية توصلك إلى مكان أفضل، وليس هدفا نهائيا.