تمهيدا لتنفيذ مبادرات برنامج التحول الوطني 2020، ولضمان تحقيق أهدافه، تمت الموافقة على مبادرات قُدّرت تكاليفها المبدئية للسنوات الخمس من 2016 إلى 2020 بمبلغ إجمالي بلغ نحو 268 مليار ريال، وسيتم تمويلها من الموازنة العامة للدولة، ولا يشمل إجمالي التكلفة مساهمة القطاع الخاص التي تتوقعها الجهات في تكاليف المبادرات، أي أن التكلفة ستكون أكبر من ذلك.
تعد هذه المبادرات هي مرحلة تمكينية وتمهيدية للمبادرات الرئيسية التي ستقوم عليها الوزارات والهيئات المعنية.
المبلغ المقدر كبير جدا، 268 مليار ريال في 5 سنوات، أي 54 مليار ريال سنويا، أي 4.5 مليارات ريال شهريا طوال السنوات الـ5.
غالبية البنود أو المبادرات التي ذُكِرت في الوثيقة للبرنامج "صفحة 88 إلى 112" هي أعمال إدارية وتنظيمية ودراسات وبرمجيات وما شابه، وهناك قليل من الأجهزة، وأيضا قليل من تكلفة مباني وإنشاءات.
تمعّنت في هذه البنود بشكل تفصيلي، وأجزم أن غالبيتها ليست مواد ولا معدات، بل تكلفة استشارات ورواتبها وأجهزة يمكن تصنيعها محليا وبرمجيات يمكن تطويرها محليا.
268 مليار ريال مبلغ كبير جدا على تجهيز الوزارات لبرنامج التحول الوطني 2020، ولمعرفة حجم هذا المبلغ، فهو يكفي لبناء 130 مدينة طبية متكاملة بأعلى المستويات والمعامل والتجهيزات وبسعة 1000 سرير لكل مستشفى، هذا سيرفع القدرة الاستيعابية للعلاج لأكثر من الضعفين.
المبلغ كبير جدا مقابل أعمال أقل، وهذه عادة الشركات الاستشارية العملاقة، تبدأ بالمشاريع الصغيرة مستهدفة المشاريع الكبيرة. وهذا ليس مستغربا، فجميع أعمالهم بهذا الشكل، يبدؤون المشروع صغيرا ويتبعونه بمشاريع عملاقة، لا ننسى أننا دفعنا لهم 20 مليار ريال خلال السنوات الخمس الماضية فقط على استشارات، وليتها نجحت.
تابعْ أعمالهم، وستجد مثلا ماكنزي موجود في الشرق الأوسط لـ60 سنة، وقدمت خلالها 750 مشروعا استشاريا، وها هي أوضاع الشرق الأوسط التنموية أمامك لتحكم على مخرجات أعمالهم.
دعونا ننظر إلى هذا المبلغ الكبير 268 مليار ريال في 5 سنوات، فلننظر إلى الوزارات وكأنها "المشتري"، ونحن كشركة حكومية "البائع"، لماذا لا تؤسس الدولة شركات استشارية تقوم بهذه الأعمال، بالكوادر الوطنية، وبالتعاون مع الشركات المحلية والجامعات، وتقوم أيضا المؤسسة بتأسيس أو التعاقد مع شركات محلية وجامعات لتصنيع الأجهزة المطلوبة، وتطوير البرامج لأجهزة الحاسب الآلي، وأيضا تقديم بعض الاستشارات الإدارية والمالية؟
مجملا، دعونا "نوطن غالبية هذا المبلغ"، وننظر كيف نستطيع تطوير الاقتصاد المحلي للاستفادة من هذه الأموال، قبل أن يقطف جلها المستشار الأجنبي.
هذه فرصة لا تُعوض لبناء كوادر وطنية من إداريين ومحاسبين ومستشارين ومهندسين ومحامين، وغيرهم الكثير والكثير "رجال ونساء"، وأجزم أنه بعد السنوات الـ5 تستطيع الدولة استثمار هذه الكوادر في الوزارات والشركات القائمة على الأعمال.
المبلغ كبير جدا، فلو افترضنا أن 50% من المبلغ "4.5 مليارات ريال" للأجور "وأجزم أنه أكثر من ذلك، ولكن.."، المهم أن نصف المبلغ سيكفي لتوظيف 50 ألف مختص بمعدل رواتب 45 ألف ريال شهريا، ولـ5 سنوات، وهذه فرصة لبناء الكوادر واستثمارها في القطاعين العام والخاص مستقبلا، وإبقاء بعضها لمتابعة وتجهيز الخطة المتبقية لعام 2030.
هذه الشركات الحكومية باستطاعتها تنظيم وتحفيز الشركات الاستشارية المحلية، وأيضا الاستعانة في الشركات الاستشارية الأجنبية متى ما لزمت الحاجة.
طالما أن "المشتري" مضمون، دعونا نؤسس مصانع للأجهزة المطلوبة والمعدات الطبية المطلوبة، ودعونا نطور مهارات الكوادر البشرية في المحاسبة والمالية وإدارة المشاريع، والاستثمار في هؤلاء سيبقى داخل البلد، حتى وإن ذهبوا إلى القطاع الخاص مستقبلا.
هذه هي الفرصة الوحيدة التي نستطيع خلالها تطوير شركات محلية للبرمجيات، فالدولة استثمرت سابقا المليارات على تقنية المعلومات وبرمجياتها، هذه فرصة لن تعوض.
وأيضا، الحوكمة لهذه الأعمال ستكون قريبة من الدولة، وتحسين الأداء لخفض التكاليف، فالمبالغ تقديرية، وكالعادة يتم صرفها بالكامل كل ما ضعفت الحوكمة.
أخيرا، أختم بخبرة ممتازة قامت بها الحكومة الهندية قبل 50 سنة، فعندما تيقنت أنها ستقوم ببناء معامل كهرباء وتحلية حكومية ومعامل نفط وغاز وتكرير وبتروكيماويات، وهذه المعامل تكلف عشرات المليارات سنويا، وكي تخلق روح التنافس بين القطاع الخاص والشركات الاستشارية الأجنبية، أسست الحكومة الهندية شركة استشارية هندسية تتحكم الدولة في مجلس إدارتها، ولكنها قطاع خاص، وتنافس على المشاريع بعد أن استثمرت في الكوادر والبرامج وتملك التكنولوجيات.
اليوم هذه الشركة الاستشارية تملك تكنولوجيا تستخدم في أكبر الشركات في أوروبا وأميركا وشرق آسيا، ولديها كوادر محلية تنافس الكوادر الأجنبية وتتفوق بالأسعار، فوجودها جعل المنافسة شرسة، خصوصا على قيمة المشاريع، فكان أحد أهدافها خفض الأرباح، مما جعل الشركات المنافسة لا تطغى وتطمع في الأرباح الكثيرة.