لا شك أن هناك فرقا شاسعا بين التشيع لآل البيت -عليهم السلام- وبين الصفوية السابقة والمعاصرة، وحينما نتحدث عن مؤامرة فهذا لا يعني الإيمان بالأوهام والتعلق بالظنون، لأننا رأينا من ينفي وجود الصفوية فضلا عن مؤامراتها، في حين أن الواقع المعاصر ومنذ 37 عاما -حيث قامت ثورة الخميني في بلاد فارس "إيران" (1979)- يؤكد ذلك، ولكن المثبت مقدم على النافي، ومن لم ير فليس بحجة على من رأى، خصوصا إذا كان النافي هو ضمن أدوات المؤامرة ولو كان بلا وعي وبحسن نية.

فها هي جزر الإمارات العربية محتلة من قبل الصفوية، والكويت أعلنت عدة مرات القبض على خلايا، والبحرين كشفت عن مؤامرات تبدأ بها وتنتقل إلى الجارة الكبرى، وفي اليمن الحوثيون، فضلا عن واقع العراق ولبنان وسورية، وازدواجية الموازين تجاه ثورة الشعب الإيراني، فضلا عن الشعب السوري، مما يعني أن الصفويين وقنواتهم الفضائية وأدواتهم الميدانية أقل من أن ينخدع بها أدنى عاقل.

وللبيان أكثر، وبشفافية أكبر، فلو رأينا هذه الطائفية التي تتبناها الصفوية لوجدنا أنها حصان طروادة لتحقيق الأهداف القومية الفارسية، وليس إصرارهم على مسمى الخليج بأنه فارسي إلا لقصد خطير وليس لمجرد الاسم، فهذا يعني أن كل ما في هذا الخليج هو للفرس، وهو ما يؤكده زعمهم بأن كل الجزر في الخليج هي حقهم، بداية من جزر الإمارات الثلاث وليس نهاية بجزيرة البحرين التي طالما قالوا صراحة بأنها المقاطعة الرابعة عشرة لإيران الفارسية.

وهنا تأملتُ هذه الطائفة في المنطقة العربية، فوجدتها الطائفة الوحيدة التي يتم استغلال بعضها في إثارة الفتن بين المواطنين، ولذا رأينا في اليمن السني والزيدي بلا صراع حتى تدخلت إيران بواسطة عملائها الحوثيين، وفي عُمان السني والإباضي والشيعي بلا صراع لعدم تدخل إيران، وفي سورية السني والعلوي بلا صراع حتى قامت الثورة وتدخلت إيران وعملاؤها العراقيون واللبنانيون (حزب الله)، وحتى في إيران السني والجعفري بلا صراع لأن الطائفية تضر بالأمن والاستقرار، ولا توجد دولة خارجية تتدخل لتأجيج هذا الصراع كما تفعله إيران في وطننا العربي، ولكن ما إن تأتي للطائفة الإمامية حتى تجدها قد تم خطف بعضها وإثارة الفتن بواسطتها لمصالح الصفوية، فهذه العراق ولبنان وسورية، والحوثيون في اليمن، ناهيك عن الخليج، وحتى إثارة الفتن في إفريقيا وآسيا وغيرهما كأميركا ونحوها، ولكن يبقى الشيعة غالبهم وطنيون وعروبيون، ولكن حديثنا عن أقلية خانت أوطانها وعروبتها نحو أجندات الفرس ووليهم الفقيه المعتدي على العرب والمسلمين تحت شعار مناصرة المظلومية وتصدير الثورة.

وبالضد تتبين الأشياء، فدول الخليج لم تستغل السنة في البلاد الأخرى لأجندتها، مع أنهم يعيشون في عدة بلدان تحت حاكم من غير طائفتهم، بل وفي بعض البلاد يكونون الأغلبية، ومع ذلك فلم يصبحوا فزاعة وأداة لدول أخرى.

وأنا هنا لا أستغرب المؤامرة الصفوية ولعبها بالنار المجوسية، لأنها ليست وليدة اليوم، ولكن الذي يستغربه كل مواطن هو بقاء دول الخليج طول هذه الفترة في مربع الدفاع الدائم والتوقف عند حدود ردود الأفعال، ودون المبادرة للمقاومة الدائمة بشكل إستراتيجي ومؤسسي، وإنشاء مراكز البحوث والدراسات المتخصصة التي تقوم بالرصد الدائم والتحليل الدقيق والتوصية العاجلة للتنفيذ المباشر عبر عدة وسائل وأدوات، فضلا عن تفعيل قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، وقوله سبحانه: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، وقوله جل وعلا: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)، لأنه من المعروف أن سياسة عدم التدخل في شؤون الغير ليست مطلقة، وإنما هي مقيدة بالتزام الآخر بها، ولكن حينما يصدر صفويته، ويستغل بعض العرب لتحقيق مطامعه، فهنا ليس من العقل والشرع والعرف العالمي والفطرة الإنسانية ألا يتم التعامل بالمثل، خصوصا أن لدى دول الخليج الإمكانات المالية والبشرية، ولو لم يكن إلا بواسطة افتتاح القنوات الفضائية والمناشط الإلكترونية مع الدعم العلمي والثقافي وفتح الجامعات لكفى به مُشْغلا للظالم في نفسه عن أن يشغل غيره ويعتدي عليه، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فما بالكم بالذي يلدغ عشرات المرات، حتى سرى الملل إلى نفوس المواطنين الخليجيين والعرب من تكرار هذه المشكلة مع أن الحل سهل ولكن يحتاج إلى إرادة حازمة جازمة ودائمة وحكيمة. ومما أعجب منه نفي البعض -ولا سيما من الشيعة- لوجود الصفوية فضلا عن مؤامراتها ناهيك عن تنفيذها في مرابعنا، ولعبها بالنار، ولكن لا يلام المرء حينما لا يرى السفينة، وذلك لكونه في داخلها، ولو حرر عقله قليلاً لعرف في أي بحر يسرح، وإلى أي ساحل يمرح، وأنه أصبح أداة ومركبا ذلولاً لهذه الأجندات التي لم تعط القريب حقه (شيعة الأحواز العرب)، فكيف تزعم انتصارها للبعيد (شيعة العرب)، الذي أذلت أخاه في أراضيها وقمعت المطالبين بحقوقهم في شوارعها، مع ملاحظة أن الشيعة إخواننا والفرس جيراننا، ولكن عداوتنا مع مشروع خميني يعتدي علينا بشعارات المظلومية وتصدير الثورة. وعلى هذا فدول الخليج اليوم في اختبار كبير لمدى الجاهزية لسرعة التحرك نحو حماية أمنها القومي بخطط إستراتيجية تجاه اتفاقيات سرية بين الفرس والروم بمباركة اليهود، ولن يتحقق ذلك إلا بتحصين ذاتي للداخل الوطني تشريعيا وفكريا وأمنيا وعسكريا، وتعزيز لأدوات الضغط على الآخر الذي ثبت بأنه لا يفهم غير لغة القوة، وإذا كان يقال إنهم رجال لعبة الشطرنج وخبراء نسج السجاد بالسنوات الطوال، وإنهم يعرفون متى يتقدمون ومتى يتأخرون، ولهم طول النفس، فإن العرب يعرفون أكثر من ذلك، وما ذي قار والقادسية وعواصف الحزم عنا ببعيد.