رغم وقوع عدد من الأحداث الإرهابية في المملكة، خلال الفترة الماضية، إلا أن حادثتين وقعتا مؤخرا استأثرتا باهتمام المتابعين، لغرابتهما، ولأنهما مثلتا واقعا دخيلا على بلادنا، تمثلتا في الاعتداء الآثم الذي حاول من خلاله أحد الإرهابيين استهداف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشية يوم عيد الفطر، فيما تمثل الحادث الآخر في الاعتداء الذي قام به توأم من المراهقين في العشر الأواخر من رمضان، ضد أفراد أسرتهما، وإقدامهما على قتل والدتهما وهما يكبران ويهللان!

ومع أن الأحداث الإرهابية ليست جديدة على المملكة، ويرجع تاريخها إلى عام 1996، مع تفجير الخبر الآثم، إلا أن جرائم الإرهابيين التالية سارت على نسق واحد، هو محاولة شن حرب على الدولة أو على رجال الأمن، إلا أن الحرمين الشريفين اللذين تمتاز المملكة عن سائر دول العالم باحتضانهما وصيانتهما، ظلا على الدوام مصدر فخر لجميع المواطنين في هذه البلاد، وموضع قداسة، كونهما أكبر معلمين إسلاميين على وجه الأرض، وتهفو إليهما أفئدة مليار ونصف المليار مسلم، موزعين على سائر أنحاء المعمورة. وتعهد الله سبحانه وتعالى بحمايتهما، وأنزل في ذلك آيات كثيرة مثل قوله "أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء"، وقوله "أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم"، وإن كان البعض يرى أن الآيات السابقة مقصود بها المسجد الحرام فقط، فإن كثيرا من العلماء أكدوا شمول الحرم النبوي الشريف بقداسة مماثلة. كيف لا وهو الذي يضم قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه الكريمين؟

وبلغ من الفخر بخدمتهما أن ملوك هذه البلاد تنازلوا بكل فخر عن ألقاب الجلالة واختاروا لأنفسهم مسمى "خادم الحرمين الشريفين"، إيمانا منهم بأن هذا شرف لا يدانيه شرف، ورفعة دونها هامات السحب ومراتب الضياء.

أما الحادثة الأخرى التي شهدتها الرياض، وراحت ضحيتها أم مسنة، وهبت عمرها لتربية أبنائها ومراعاة أسرتها، فقد أثارت بدورها استغراب الكثيرين، كوننا مجتمعا عائليا، تعارف أفراده على تقديس الحياة الأسرية، ويشب أبناؤه وهم يوقرون كبارهم ويحترمون صغارهم. فمن منا لم تهف نفسه لمساعدة أمه وتقديم العون لوالده؟

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو: ما دامت هذه مفاهيمنا وإيمانياتنا وعاداتنا وتقاليدنا فكيف تجاوزها هؤلاء؟ وما الذي غيبها عنهم؟ هل هم من نفس هذه البلاد أم أنهم هبطوا من كوكب آخر؟ والإجابة واضحة لا تحتاج إلى كبير عناء، وهي أن هذه العقول الفارغة من أدنى مراتب العلم، والقلوب الخاوية من حب الله والخوف منه تعرضت لغسيل مركز، مارسه آخرون يتدثرون بالعلم وهم منه خواء، ويدعون التقوى، وهم يفتقرون إليها، ويتمسحون بالإسلام وهو منهم براء. هؤلاء هم المسؤولون حقا عما وصل إليه هؤلاء الأحداث، واستئصال داء الإرهاب وإراحة البلاد والعباد يستلزم بالضرورة تقديم هذه الذئاب البشرية، إلى محاكمات عادلة وعاجلة، ينالون فيها جزاءهم على ما اقترفته أيديهم الآثمة، بحق أنفسهم ومواطنيهم وبلادهم.

وتحضرني في هذه المناسبة الكلمات الواضحة التي قالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عندما قال إن المملكة ستضرب بيد من حديد كل من يستهدف عقول الشباب، وستجتث الإرهاب، طال الزمن أم قصر. وهي كلمات تمثل نبراسا لما ينبغي عمله، والمصلحة العليا تقتضي إنزالها إلى أرض الواقع دون تأخير، ودون مراعاة لأي اعتبارات، فالبلاد تواجه تحديات عديدة، ويقضي أبناؤها الميامين أيام العيد على الثغور، يفترشون الأرض ويمسكون بالزناد، دفاعا عن بلادهم، وأداء لواجب نبيل، طوبى لمن يقدم على أدائه، وبعد كل هذا يأتي أشباه دعاة وأدعياء ورع، ينتزعون الآيات والأحاديث من سياقها، ويلوون أعناق القواعد الفقهية، وينزلونها زورا وتزييفا على أحداث مغايرة، وظروف مختلفة، يدعون بكل بساطة لقتل من يتولون حمايتنا، وإراقة دماء من تولوا حفظ دمائنا.

 أمثال هؤلاء لا ينبغي التعاطف معهم، أو التعامل معهم باللين أو الرفق، فهم شياطين يمشون بيننا، وفتنة تريد ببلادنا السوء، لا بد من اجتثاثهم قبل التفكير في معاقبة المنفذين، لأن الأخيرين ليسوا سوى مخالب استخدمها أرباب الشر، لبلوغ غاياتهم الدنيئة.

ستنتصر بلادنا حتما على الإرهاب، وسيأتي يوم قريب نحتفل فيه باستئصال هذه الآفة التي أقضت مضاجعنا، وشغلت بالنا، والانتصارات الكبيرة التي نحققها بصورة شبه يومية، والضربات الاستباقية الموفقة التي يوجهها جنودنا البواسل، بتوجيه ومتابعة من قيادتنا الرشيدة هي مقدمات لهذا الانتصار الكبير، ومؤشرات إلى قرب زوال الشر، فالتحديات التي واجهت قيام الدولة في مراحلها الأولى أكبر مما نعانيه اليوم، لكن حكمة الشيوخ وطموح الشباب والإيمان بقضية هذا الوطن، كانت زادا ومرشدا لأسلافنا، وستكون بإذن الله نبراسا لنا ولأجيالنا القادمة.