في الحرب على الإرهاب، وفيما يخص الداخل بالتحديد، علينا ألا نركن إلى حلف دولي وألا نعول أبداً على تحالف دولي. مصطلح "الحلف" كذبة كبرة تتقاطع فيها الأجندات الخاصة مع المصالح السياسية لكل منظومة على حدة، وهو برهان لنا معه أكثر من عقد ونصف من الزمن بعد بزوغ حمم الإرهاب المتلاحقة. إيران وروسيا والصين يدورون في فلك بينما أميركا وغرب أوروبا في الفلك المقابل، وللزميل العزيز، جمال خاشقجي تحليله الممتع لتقاطعات هذين الفلكين في مقالته بصحيفة الحياة "السبت 25 يونيو" الماضي. ومع التجربة تبرهن الأحداث على أن الشرق الأوسط أصبح معمل تجارب لكل شيء، وحتى الإرهاب ليس إلا "شيء" من كل هذه التجارب. الحل الوحيد أمامنا أن نقوم بأنفسنا باستئصال هذه الأورام بشتى الأسلحة الفكرية والاجتماعية والأمنية فلا حلول تأتي من الآخر.

أكتب ما سبق تعقيباً على اتصال لذيذ من ضابط جيش متقاعد برتبة عليا تحدث فيه عن قصة تحرير مدينة الخفجي، وقد اختارني مشكوراً لرواية التجربة. يقول: أصبنا بالذهول لأن جيشاً مسحوقاً استطاع أن ينفذ إلى هذا الجيب السعودي كما يفعل اليوم صبية الأعمال الانتحارية. يواصل: كنت يومها من جيل الصف الثاني بين ضباط القيادة الميدانية عندما أبلغنا قائد الفرقة الشمالية الشرقية مباشرة أن الراحل الكبير الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، يريد تحرير المدينة بأيد سعودية خالصة ودون انتظار لرؤية أو مشاركة التحالف الدولي يومها في حرب تحرير الكويت. كان ينقل لنا إصرار فهد بن عبدالعزيز على تحرير الأرض مهما كانت التكلفة أو حتى حجم الأضرار التي قد تلحق بالمنشآت النفطية في الخفجي، لأنه يرى، وبحسب ما نقل إلى جنود الميدان، أن الأرض أغلى من النفط وأن الإنسان السعودي أكبر وأثقل من حجم المنشأة. ينقل لي هذا الضابط كيف تم تحديد ساعة الصفر تحت ضغط الأبطال الذين رفضوا الانتظار حتى يكتمل وصول ما كانوا يحتاجونه لتحرير البلدة. نحن اليوم نفتخر بأن الأمتار القليلة التي احتلت في كل تاريخ هذا الوطن تم تحريرها بدماء وعروق سعودية خالصة.

أمامنا هذه التجربة التاريخية وهي ذات العبرة التي يجب أن نسلكها في الحرب الداخلية على الإرهاب، وسأختم بمثل ما بدأت، ألا نركن إلى حلف على الإطلاق طالما نحن نملك المقومات: مجتمع متماسك وقيادة حازمة ورجال ميدان أشاوس يملكون الكفاءة والإمكانات التي دحرت ضلال عصابات الإرهاب في البلد الأكثر تعرضاً إليه.