نظام الملالي عدو معروف للعرب عموما، وللسعودية تحديدا، ومذ وعينا على الدنيا ونحن نعرف ذلك ونعيه ونراه بأم أعيننا من خلال أعماله الإجرامية في الحرم، واختطاف الطائرات وتجنيد العملاء وإنشاء الأحزاب والميليشيات الإرهابية؛ وهو نفسه قد اعترف قبل أشهر بسيطرته على أربع عواصم عربية، لذا لا نحتاج إلى التوقف عند هذه النقطة طويلا من أجل إثبات وحشية هذا النظام وقبحه وبشاعته، بعد أن باتت أهدافه واضحة ونواياه مكشوفة، ونحن على يقين أنه لن يفوِّت فرصة في تخريب بلادنا وزعزعة أمننا واستقرارنا؛ وتقسيمنا إلى طوائف متناحرة لسهولة السيطرة علينا وتصدير ثورة إمامه المقبور إلينا، فذاكرتنا قد ملئت بجرائم هذا النظام ومحاولاته تخريب مواسم الحج في كل عام، إضافة إلى زرع عملائه وميليشياته المسلحة في أوطاننا والتحريش بين أبناء الوطن الواحد.
لذا فالإشارة إلى إيران في كل عمل إرهابي مضيعة للوقت، ومراوحة في ذات المكان، وتعريف للمعروف وتأكيد للمؤكد، كما أن الاحتجاج بدور إيران في إشاعة التطرف يشبه الاحتجاج بدور الشيطان في إغواء البشر، فتخيل أن يبرر قاتل جريمته بوسوسة الشيطان وتحريضه له بالقتل!، ويبدو أن بعض الذين يشيرون بأصابع الاتهام إلى إيران مع كل عمل إرهابي يقوم به الدواعش ثم يصمتون، إنما يهدفون إلى إبعاد التهمة عن الدور الذي يقومون به في تحقيق غاية إيران بقصد أو عن غير قصد، فالعدو إذا أراد الوصول إليك بحث عن أضعف منافذك وحاول الولوج من خلالها إليك، وليس بمقدور العدو الوصول إليك إذا كانت منافذك مغلقة وأسوارك حصينة، ونحن لا نستطيع أن نقتل الشيطان أو أن نُعلِّم نظام الملالي معنى الإنسانية وحق الجوار وسيادة الدول، لكننا نستطيع أن نحصن أبناءنا ونسد منافذنا الثقافية التي تشكل ثغرات محتملة لدخول الأعداء.
فيما يخص التطرف والعمليات الفاشلة التي حدثت في أواخر شهر رمضان المبارك، فإني أعتقد أن المشكلة لا تكمن في وجود عدو خارجي يتحين الفرص ويتربص بنا الدوائر، من أجل تجنيد شبابنا ضد أهلهم وأوطانهم، بقدر ما أنها كامنة في قابلية هؤلاء الشباب للتجنيد والتكفير والاستخدام، كما أن كثيرا من الذين يحاربون الإرهاب بحماسة ويذرفون الدموع على الأرواح التي أزهقت، يدافعون بالحماسة نفسها عن أسباب هذا الإرهاب وجذوره ورموزه، بمعنى أنهم يحاربون النتيجة ويستميتون دفاعا عن السبب، أي أنهم يغذون الإرهاب من حيث لا يعلمون، وهو ما قد يفسر لنا تنامي ظاهرة التطرف وتصاعد حدتها إلى أن وصلت الحرم النبوي الشريف، وهزت مضاجع النبي الأعظم، صلوات الله عليه، وصحابته الكرام.
ربما يستغرب البعض أن يصل الحال بالمتطرفين إلى قتل أمهاتهم وآبائهم أو أحد من أقاربهم، ويكاد بعضهم يُجَّن وهو يرى التفجيرات تحدث على مقربة من قبر الرسول الأعظم، عليه الصلاة والسلام، فترى خطيبا يبكي على المنبر معتذرا من الحبيب، عليه السلام، وهو يقول: (اللهم إني أبرأ إليك مما فعل الدواعش)، ويتقزز من هذا الفعل لاعنا داعش وأمثال داعش، لكن الأيام لا تكاد تمضي حتى ينسى، أو لكأن الحادثة لم تكن، فتراه يعاود تغذية هذا الفكر بما استقر في ذهنه أنه من الثوابت، وسترى الخطيب نفسه تدمع عيناه وهو يأتي على سيرة أبي عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه- وما نقل -ولم يثبت- عنه أنه قتل أباه، فتراه ينقلها حرفيا -كما اعتاد نقلها سابقا- من بعض مراجعه، وبأسلوب هو في غاية التشويق والإثارة كما ورد في هذا النص: "ولجَّ الرجل في الهجوم، وأكثر أبو عبيدة من التنحي، وسدَّ الرجل على أبي عبيدة المسالك، ووقف حائلا بينه وبين قتال أعداء الله، فلما ضاق به ذرعا، ضرب رأسه بالسيف ضربة فلقت هامته فلقتين، فخر الرجل صريعا بين يديه.
لا تحاول -أيها القارئ الكريم- أن تخمِّن من يكون الرجل الصريع.
أما قلت لك: إن عنف التجربة فاق حسبان الحاسبين، وجاوز خيال المتخيلين؟!.
ولقد يتصدع رأسك إذا عرفت أن الرجل الصريع هو عبدالله بن الجراح والد أبي عبيدة، لم يقتل أبوعبيدة أباه، إنما قتل الشرك في شخص أبيه".
مع أن القصة أعلاه هي مما شاع ولم يثبت، بل تتناقض مع صريح القرآن الكريم في حق الوالدين حتى لو كانا مشركين، إلا أنه يستدل بها كثيرا في باب الولاء والبراء، ولعلك لن تجد شابا لم يسمع بها وبأمثالها من القصص التي يستخدمها بعض الوعاظ في حشد الناس ضد كل من يخالفهم، ولو كان مسلما، عندما يختلف معهم في تأويله لبعض النصوص، فهي تستخدم للتدليل على أن رابط العقيدة هو الرابط الوحيد بين الناس، وهو مقدم على رابط الوطن والقرابة وأي رابط آخر، وكما أنهم قالوا إن أبا عبيدة لم يقتل أباه، إنما قتل الشرك في شخص أبيه، فإني أخشى أن يقولوا لأتباعهم من المغفلين: إن إرهابيي المدينة لم يقضّوا مضجع النبي، عليه الصلاة والسلام، وصحابته الكرام، إنما قضّوا مضاجع حماة أعداء الدين!.