عيدكم مبارك جميعا، ومن العايدين. عبارات لطيفة نتغنى بها كلما أقبل العيد، عبارات تؤكد رغبتنا في الحياة والبقاء، فنحن أمة خلافة وعمارة، ندعو بالبركة والزيادة، ونرجو أن يعود العيد علينا بخير كل عام.

هذا هو لسان المقال، أما واقع الحال فعلى خلاف ذلك؛ فأولئك الذين يقتلون أنفسهم وأهليهم وجيرانهم وإخوانهم هنا منّا، وإن شذ لسان حالهم ولسان مقالهم عنّا؛ من أجل ذلك غدا لزاما علينا جميعا أن نبحث بجد عن أسباب تلك الظاهرة الغريبة التي ابتدعها أناس ليسوا بغرباء.

السعي إلى الموت بكل مطية، ورفض الحياة ورفض البركة والزيادة والبقاء أمور لافتة للنظر، وهي إن دلت، فإنما تدل على يأس من الحياة وقناعة بأن الموت خيار أفضل، وأن إدراك الرغبات المباركة الباقية لا يكون إلا مؤجلا. وحين يكون معتنقو هذا الفكر ومنفذو أجنداته من أبنائنا الذين نشؤوا على أرضنا وتشربوا قناعاتنا، فإن هذا ينهض دليلا على وجود خلل يتطلب العلاج.

التخطيط للعلاج يبدأ أولا من المقدمات ويرتقي -أو ينحدر- للنتائج، بحيث يربط السابق باللاحق دائما، وهنا تأتي أهمية العودة إلى الصندوق الأسود للإرهاب في بلدنا، بدءا من محاولة جهيمان الفاشلة في الحرم المكي عام 1400، وانتهاء بحادثة الاعتداء على المسجد النبوي الشريف عام 1437. تأمُّلُ تلك الحالات مهم جدا في الكشف عن الخيوط الخفية لتلك الجرائم التي لم يسلم منها شبر في بلدنا حتى المقدسات.

معطيات الصندوق الأسود تكشف عن تحول كبير في التفكير الإرهابي نتج عنه تحول أكبر في العمليات، من ناحية الطريقة والهدف، ومن ناحية مسرح الجريمة أيضا، وهذا ما يجب التنبه إليه، واتخاذ خطوات المكافحة على وعي به، حتى لا يكون القادم أسوأ.

حين نعود إلى تاريخ العمليات الإرهابية في 2003 - 2004، ونقارن بين ما كان عليه التفكر الإرهابي وما آل إليه، سنكتشف التطور الخطير لهذا التفكير. فالمستهدف في تلك الفترة كان الأجانب الذين يُتَّهمون بالكفر والعداء للمسلمين، من أهل العهد والذمة، وكانت آلة الموت آنذاك السيارات المفخخة، أما أماكن الموت فكانت السفارات الأجنبية والمجمعات السكنية التي يقطنها هؤلاء الأجانب.

اليوم، تغيرت الخارطة تماما، فصار المستهدف الأقارب الذين يعتنقون الدين ذاته، على اختلاف درجة القرابة ورتبتها، من الأهل والجيران والإخوة في الوطن من رجال الأمن وغيرهم، وتنوعت هنا آلة الحرب أيضا بين أحزمة ناسفة وسلاح خفيف وأدوات أخرى بسيطة، مثل سكاكين المطبخ والسواطير، وصارت الأماكن المستهدفة أقرب إلينا بكثير، إذ غدت بيوتنا ومساجدنا مسارح لجرائم الإرهاب.

ولنتأمل معا حادثة تفجير مجمع المحيا في الرياض، في رمضان المبارك عام 2003، ثم نقارن بينها وبين حادثة القتل التي حصلت في حي الحمراء في رمضان 2016، لنكتشف التطورات الخطيرة التي مر بها التفكير الإرهابي لأولئك المتطرفين الذين أزهقوا أرواح العباد وأفسدوا في البلاد.

فإذا أضفنا إلى ذلك كله، حادثتي التفجير الأخيرتين في المدينة وجدة، عرفنا أن الإرهاب الذي بدأ ذات يوم خلال استهداف الأجانب بإطلاق النار عليهم في حوادث متفرقة، في جدة والرياض، ثم تحول إلى استهداف لهم ولمنشآت البلد النفطية التي يعمل فيها بعضهم بسيارات مفخخة، قد انتهى أخيرا إلى استهدافنا نحن، في بيوتنا ومساجدنا، بسلاح خفي قد لا نتنبه إليه أحيانا.

ولأن هؤلاء الذين يمارسون الإرهاب في وطننا يسيرون بنا وبالوطن نحو المجهول، بوحي من أحلامهم المؤجلة في الجنة، فإن من واجبنا جميعا أن نوقظهم من سباتهم، ونردهم إلى الواقع ردا جميلا، وهذا لن يكون إلا حين يشعر هؤلاء بوجودهم وبانتمائهم وبوطنيتهم. تلك المعاني وحدها هي التي تجعل الحياة أجمل، وتدفع هؤلاء الزاهدين بها إلى التمسك بأهدابها.

هنا، تأتي أهمية التخفف من الكبت والانغلاق، وفتح أبواب الحياة على مصراعيها، فالبطالة وانعدام الرغبة في التعليم الجامعي بسبب معوقات اختبارات القدرات وغيرها، كلها عقبات تجعل الحياة مضمار سباق نحو الآخرة.

شبابنا الذي كان يُمنع -إلى وقت قريب- من دخول المجمعات التجارية، ويُمنع من ممارسة حريات بسيطة مثل قصات الشعر واللباس، سيكون طعما سهلا للمتصيدين المتربصين.

لذا، يجب علينا جميعا أن نسعى إلى احتواء هذا الشباب قبل أن يخسر الوطن لبنة البناء الباقية. حين ذاك ستكون الأعياد أجمل، وسيدعو هؤلاء بالبركة ويحلمون مثلنا بالبقاء.