كل عام وأنتم بخير؛ وكل يوم والوطن عيدنا الذي يتجدد له الولاء.

ما أجمل مظاهر العيد التي نعيشها وعشناها؛ هي مظاهر يحياها المسلمون المسالمون في كل مكان، عاشوا الحرب أو السلم، في وقت يفشل فيه أعداء الحياة في نشر ثقافة الكراهية في قلوب الأنقياء.

بعد الهجوم على مساجد ورجال الأمن ليلة العيد أثبت القتلة أنهم ليسوا مسلمين، فهم ليسوا إخوانا بل أعداء لنا يقتلون بدون سابق معرفة ضحاياهم، ويختارون أن يقدموا رسالة الشر للعالم ليرضى عنهم شيطانهم الذي امتطى أهواءهم واعتلى عقولهم.

لن يؤذونا أو يقتلوا وطننا، فهم رغم عدوانهم لم يقتلوا العراق ولا اليمن ولا سورية، فالأرض لا تموت، وأعداء الحياة يتساقطون أشلاء قبل ضحاياهم أحيانا، وبعدهم دائما. فقط الفرق أنهم لا يدعى لهم برحمة ولا مغفرة، بل تلاحقهم دعوات الأمهات اللاتي أحرقوا قلوبهن؛ ولعنات المسلمين الذين آذوا أبصارهم وأسماعهم، في كل مكان دنسته أقدام الإرهاب تحول البشر إلى شهداء، أما في المدينة فهناك الشهداء كما مات للأبد، وهم من كان يتوهم أنهم يدافعون عن الإسلام وهم يؤذون مدينة رسول الله وينثرون أجساد أتباعه قرب قبره، عليه الصلاة والسلام.

لماذا اختاروا ليلة العيد؟

الهدف كان زعزعة الأمن والنتيجة كانت استتبابه، والهدف الثاني أن يؤلموا المواطنين، النتيجة آذوا أهلهم وأقاربهم وتركوا في قلوبهم حزنا لا يمحى حتى الموت، بينما سينسى بقية الناس من لم يمسهم الأمر مباشرة وهم الأكثر!

الرسالة التي يقدمها الإرهاب الدموي بطريقة التفجيرات الانتحارية فاشلة جدا، لأن القاتل نفسه لا يعيش ليدرك حجم غبائه، وأنه هان على نفسه وهانت عليه حياته التي كان يمكن أن يعيشها إنسانا محترما.

لن أسترسل أكثر لكن من قتل أمه وأباه وابن عمه ورجل أمنه قتل كل الخير الذي في دنياه، وباع روحه للشيطان الذي يتعهد ابن آدم منذ حكم عليه بالنار، واستعدى آدم وذريته.

وإن كان راغبا بالشهرة وحب الظهور فلن يرى الشهرة التي سعى إليها حتى في عيون السجناء معه هذا لو عاش بعد ضحاياه.

لنعد للعيد وابتهاج أبنائه به؛ أبناء العيد تبادلوا التهاني وأظهروا فرحته في الملبس والابتسامة والحلوى التي تناقلتها أكف الصغار والكبار، في فرح، وخادم الحرمين يشارك ككل عام صلاة العيد، ويظهر عز الدين ومتانة الإسلام في أرواح المسلمين.

في العيد غطى بياض الفرح على سواد الحزن، وزادت مؤشرات الأمل باقتراب النصر على الوحشية التي لم تعد تدرك كيف تعبر عن وجودها في الوقت الذي حان زوالها.

في العيد التقى الأحباب والأصحاب والأقارب مهنئين ومؤكدين أن جمال الوطن من جمال وطيبة قلوب أهله والتفافهم حول أولوياتهم.

في العيد قدمنا رسالة أهم في قبلة الرأس للكبير سنا، والابتسامة غير العابرة إلا للقلوب، وفي فرحة الفقير بصدقات العيد وليلته، في دهشة لقاء من لم نرهم من وقت طال.

في العيد لم يختلف الفرح ولم يتخلف إلا أننا مزجنا تكبيرات العيد بالدعاء بالرحمة للشهداء ولذويهم بالصبر والثبات، في العيد أدركنا كم نحب من فقدناه ولم نعرفه ونخاف على كل من نعرف أولا ونسأل الله الأمن.

ليس سرا أن أقول إنني احترت كيف أدمج الفرح والحزن في مقال يناسب العيد، حتى قرأت ذلك في أضواء الشوارع وثياب الأطفال الزاهية، وزينة النساء وأناقة الرجال وتعاطف الكل مع الكل فبدأت أكتب.

نجحنا في العيد كما نجحنا في التماسك سلما وحربا، وما ظنه الجاهلون تجاهلا هو في الحقيقة تجلد لا يتضعضع لريب الإرهاب، قد يدهش من لا يعرف ما مررنا به تاريخيا، فليتذكر أن صلابة العربي من الجاهلية يعيشها ابن الأرض اليوم كما عاشها جده، ويتغنى بها الشعراء اليوم، فما زالت معلقتهم الأولى الوطن والأرض بخضرة روضها وشموخ جبالها وامتداد سهولها وحتى ربعها الخالي الذي يمتد في نفوسهم أحلاما بطيف الحبيب وانتظارا للمطر.

لو جهل جاهل لا يمكن أن يجهل حب الوطن والفرح بظلاله الممتدة في هجير صحرائه، ولو تناسى متناس فلا ينسى أننا اليوم لا نزال ننعم بخير يغبطنا عليه الصديق ويحسدنا عليه العدو.

العيد الحقيقي هو الوطن الذي لم يروع أمننا، وهو يخوض حربه ضد الأعداء، ولم يوقف مصالحنا وحتى أفراحنا وهو يتصدى لكيد الكائدين والخارجين عليه من الأشقياء، والوطن الذي ننام ويسهر أبطاله على أمن حدوده ولا يطلبون إلا أن ننعم ونأمن.

يقول صاحب زهر الآداب وثمر الألباب:

(وكان الناسُ يتشوّقون إلى أوطانِهم، ولا يفهمون العلِّةَ في ذلك، حتى أوضحها علي بن العباس الرّومي في قصيدةٍ لسليمان بن عبدالله بن طاهر يستَعدِيه على رجل من التجَار، يعرف بابن أبي كامل، أجبَره على بَيْع داره واغتصبه بعض جُدرها، بقوله:

ولـــي وطنٌ آليتُ إلا أَبيعهُ

 وألاّ أرى غيري لهُ الدهر مالِكا

قد ألِفَـته النفـسُ حتى كأنهُ

 لها جَسَدٌ إن بانَ غُودِرَ هالـكا)