كنت أسرعُ الخطى للمكتبة حين استوقفتني لوحة كتب عليها (سلام) باللغة العربية ضمن عدة لغات وبدافع الفضول وقفتُ لأقرأ، فالغريبُ تلتقط عيناه أي حرفٍ بلغته وكأنه يراه للمرة الأولى! اقتربتْ مني سيدة في عقدها الرابع وسألتني بلطف إذا كنت أتحدث أيٍّا من هذه اللغات فأشرت بفخر للعربية، وقلت هذه لغتي الأم كما أني أتقن الإنجليزية فقالت هذا رائع، نبحث عمّن يعلّمنا هذه اللغات ونودّ أن نتعاون معك إذا سمح وقتك! شرحتْ لي أنهم مجموعة متطوعة يسعون لنشر السلام في جهات الأرض وزيارة المناطق المنكوبة مثل سورية والعراق لمواساة المتضررين والتخفيف عنهم! كما يهدف مشروعهم للتوسع في مراحل قادمة ليتيح الفرصة للراغبين في تبنّي أطفال المناطق المنكوبة ومنحهم فرصة جديدة للحياة الكريمة. وضّحتْ هذه السيدة أهداف منظمتهم بهدوء واختصار وهي تمسك بيدي وكأنها تخشى أن تهرب منها هذه السيدة المحجبة التي أوقفها الفضول! ودّعتُها بعد أن وعدتها بالتفكير فيما قالته لي!

‏وها أنا أفي بوعدي وأفكّر معكم بصوتٍ عالٍ فيما قالته وأحاول أن أقارن بين ما يقومون به كأفراد للنهوض بدين حرّفه أسلافهم، وذلك باستغلال الأحداث من حولهم، وبالتسويق له بأخلاقهم، وبين ما يقوم به بعضنا لتشويه سماحة ديننا العظيم بممارسات تذكي كراهية أفراد المجتمع لبعضهم البعض بل وللعالم أجمع، وكأن بعضهم في مهمة خاصة لفرض العزلة وتعطيل نمو المجتمع.

‏يستهدف بعض الغربيين خصوصا المتعلمين منهم تنمية الإنسان ومدّ يد العون له بالذات في المناطق المنكوبة، ويتخذون من القيم العليا شعارًا لهم. قد يخاطر أحدهم بحياته ويصرف مخصصاته التقاعدية في هذه المهمة التي نذر حياته لها، وهدفه من ذلك ليس إنسانيًا خالصًا بل لبعضهم أجندته الخاصة كالتبشير وغيره. وعلى سبيل المثال لم يخجل الإعلام الغربي من ذكر اشتراط بعض الدول الغربية تغيير الدين على الراغبين في الهجرة إليها من الدول المنكوبة والتي يغلب على أهلها الإسلام للأسف.

وبينما تمدّ هذه الجمعية ومثيلاتها جسور سلام في مجتمعاتها للمستضعفين ينشغل المسلمون ببث الكراهية وبتصنيف المسلمين وتوزيعهم إلى الجنة وإلى النار تبعًا للطوائف! فهذا سني وذاك شيعي وهذا جامي وذاك صفوي وقائمة طويلة يسعى القائمون عليها لإثبات استحقاق غيرهم للخلود في النار بدلًا من العمل على إنقاذ أنفسهم وغيرهم منها.  ‏لم نكتفِ بدسّ أنوفنا في شؤون الأحياء من البشر وتقييم إيمانهم ومظهرهم وقناعاتهم الخاصة التي لا تضرنا ولا تنفعنا، بل تطاول بعضنا حتى تجرأ على تقسيم رحمة ربِّ العالمين وعفوه ومغفرته للحيِّ والميت، فآذينا حتى عظام الأموات! لم يوفِّر بعضهم شتائمهم عن صحابي أو تابعي أو مسلم سبق فيه أمر الله، فالمهم هو أن تستمر عجلة الكراهية بالدوران حتى لو طحنت المجتمع تحتها!

يأتي إعلان مشروع قانون الكراهية في مجلس الشورى وكأنه غيث طال انتظاره، وأتمنّى من كل قلبي إقراره، فقد سكتنا طويلا لناشري الكراهية حتى دقت إسفينها البغيض في بيوتنا، فرأينا من العقوق وتضييع الحقوق ما يفطر القلب ويذهل العقل، وما قصة أمّنا هيلة العريني رحمها الله منّا ببعيدة. أنا مع هذا القانون بالكلية لأني لا أريد لأبنائي أن يكبروا في مجتمع يغسل بعض أفراده أيديهم فيه بدماء المقربين باسم التقرب والطاعة. 

‏لا بد من إيقاف سيل الكراهية بسطوة القانون وليتحمل كل إنسان مسؤوليته تجاه ما يقول وما يكتب، والأجدر بالسكوت هو من ينصِّب نفسه مدافعًا عن الدين ويتخذ من بذاءته أو عدوانيته سبيلا للدفاع! فالدين أسمى من هذه الممارسات، وإذا كنّا نطالب الغرب بعدم المساس بمقدساتنا فعلينا تطبيق هذا على أنفسنا أولًا باحترام اختلافاتنا وذلك قبل أن نطلب من غيرنا أن يحترم ثوابتنا!

‏للأسف ترك أغلبنا جوهر الدين وفرّط بقيمه وأخلاقه وأغرق نفسه في المسائل الخلافية التي لا شأن للأفراد بها حتى صار دين بعضنا على لسانه ولا يخالط قلبه إلا قليلا. ‏أظن أول ما يجب علينا في سبيل الوصول بسلام لجنّة الله هو تطهير قلوبنا من الكراهية والتحكم في محاولاتنا المستميتة للوصاية على خلق الله؛ إن إصرار أحدهم على ممارسة دور خازن الجنة لن يجعله من أهلها، فنحن كمسلمين نعتقد أننا لن ندخل الجنة إلا برحمة الله كما هو ثابت.

‏جاء ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه لنبي الرحمة وسأله عن أمور دينه ثم حلف ألا يزيد على الأركان الخمسة، كما شرحها له النبي، فعلّق نبينا الكريم بعد انصرافه قائلًا (أفلح إن صدق)، ودلالات هذا التعليق النبوي الشريف واضحة لمن يريد أن يعيش ويتعايش ويصل بنفسه وأهله ومجتمعه لبرِّ الأمان والسلام.