جمعني أحد المقررات في مرحلة الماجستير بأستاذ لغة إسبانية يدرِّس ويعمل في الجامعة لاستكمال متطلبات درجة الدكتوراه في تدريس اللغات الأجنبية. في بداية الفصل التالي مررت بالصدفة من أمام مكتبه لأجد إعلانا بحجم ورقة A3 على الباب يحمل بالبنط العريض قرار فصله وصورته وصورة خبر من الجريدة المحلية يوضّح تورط هذا الأستاذ الخمسيني في فضيحة التواصل مع طفلة قاصر عبر الإنترنت، والذي تسبب في إنهاء عقده مباشرة وسجنه على ذمة التحقيق.
لم تخجل الجامعة من انتماء هذا الشخص المريض لها، ولم يحاولوا إخفاء الحقيقة أو ينفوا ما حصل، بل واجهت إدارتها الفضيحة المتعلقة بشخص هذا المخلوق بشجاعة، وأظهرت كل الحقائق المتعلقة بالموضوع وطلبت ممن يمتلك أي حقائق يمكن أن تسهم في تحقيق العدالة بالحديث مع أحد الأخصائيين الاجتماعيين مع ضمان السرية والخصوصية. لا يزال رابط هذا الخبر موجودا في الجريدة الرسمية وموقع الجامعة بعد سبع سنوات من الواقعة.
في هذا دلالة واضحة على أن أخطاء الأفراد لا تسيء إلا لهم، وليست بأي حال وصمة عار على المؤسسة التي ينتمون لها، بل إن الاعتراف بها أفضل من تغطيتها أو إنكارها أو السكوت عنها كأنها لم تحدث! لا أخفي إعجابي بهذا التصرف المسؤول من الجامعة، فبعض الأفعال الفردية صادمة جدًا والتعامل معها ضمن المؤسسة يستدعي ألا يتم إخفاؤها كذرات الغبار تحت السجادة، بل على المؤسسات أن تواجهها بجرأة وتنفض السجادة بأقصى قوة، حتى لو سُعلنا في البداية لكن في النهاية سينعم الجميع بهواء نظيف خال من الغبار.
تذكرت هذا الشخص المريض وأنا أتصفح بعض الوسوم على تويتر في الآونة الأخيرة. هناك ما يمكن أن نسميه فوضى التحرش اللفظي بالأطفال، ولا يوجد للأسف آلية واضحة لمكافحتها. تجرأ سفهاء المواقع الاجتماعية على تصوير ونشر مقاطع لهم وهم يجرحون الطفولة بألفاظهم البذيئة، ووصل الحال ببعضهم إلى مخاطبة أطفال العالم، مستغلين جهلهم باللغة العربية، ولا يدرك هذا السفيه أن عمله جريمة في أغلب هذه البلدان. الأسوأ بصراحة أن يجد هؤلاء الوقحون بيننا من يدافع عنهم ويبرر قذارة ألفاظهم ويلتمس لهم العذر أو يلوّح بامتداح موقف آخر لأحدهم وكأنه يقول هذه بتلك.
موجة التحرش اللفظي والجرأة على نشر البذاءة ثم اختلاق الأعذار الواهية للتبرير تحتاج وقفة وقانونا صارما يطبق بشدة أيًا كان المخطئ ومهما كان عذره.
إن تحرك الوزارات المعنية، كل فيما يخصه، وإعلان ملاحقة ومحاسبة هؤلاء المرضى هو الخطوة الأولى في حصر أذاهم ورفض سلوكياتهم البغيضة التي لا تمثل غيرهم. ننتظر كذلك ردود فعل الجهات التي يعمل فيها هؤلاء السفهاء لكي يعلم الجميع أن بصماتك الإلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر عليك وعلى غيرك، فلا تضع في أي حساب يخصك إلا ما يسرك أن تراه في اليوم التالي على شاشات التلفزة أو متصدرا إحدى الصحف الرسمية.