هل نحن في زمن القسوة؟! هل نحن في زمن الكراهية؟! هل نحن في زمن صقيع العواطف وجفاف الدموع؟! هل نحن في زمن العنف واللا رحمة؟ لا أدري على وجه الدقة!

كل ما أعرفه أننا لا نكاد نشاهد الأخبار أو نتصفح وسائل التواصل الاجتماعي إلا وتحمل خبراً:

عن ولد عاق يقتل أحد والديه أو يعتدي عليهما أو يقتل أحد أقاربه بفكرٍ تكفيري منحرف! أو عن أمٍ تحبس أبناءها فوق السطوح وتضربهم وتجوّعهم في سابقة لم نعهد لها مثيلا أن يصدر ذلك من نبع الحنان ومصدر الدفء والأمان، أو عن انفجار آثم يموت فيه مئات الأبرياء، ويتشرد من أجله آلاف الأطفال والنساء.

وأمام هذه المآسي الشنيعة والكوارث المفجعة نجد أنفسنا أمام واقع مؤلم وكابوس مرعب ومستقبل دامٍ مظلم: طفل يتيم ضائع، وامرأة ثكلى مشردة، وأرملة جائعة لاحول لها ولا قوة، وأب ضعيف فقد أُسرته وأبناءه. كل ما أعرفه أن في أنحاء العالم ملايين من الفقراء والمساكين والجوعى الذين لم يجدوا لقمة عيش تسدّ رمقهم، ولم يعثروا على قطرة ماء عذبة تطفئ ظمأهم، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

ومن المحزن حقا أن كثيرا من المترفين والمنعمين والأثرياء عندما يشاهدون هؤلاء البائسين فتجدهم يشعرون بوخزات في ضمائرهم سرعان ما تهدأ وتتلاشى عند قدوم المائدة المستديرة التي تحوي كل ما لذّ وطاب من المآكل المتعددة والمشارب المنوعة، ورغم ذلك نجد أن هؤلاء المتخمين يشكون من أمراض وعلل نتيجة الشبع والتخمة المفرطة التي قد تؤدي إلى الموت...!

عجيب هذا الزمن.. أُناس يموتون من الجوع، وأُناس يموتون من التخمة!

ومن المحزن أيضا أن عيوننا تعودت على رؤية تلك المشاهد المأساوية التي تتفطر لها القلوب، ويذوب من وجعها الحجر الجلمود.

مشاهد ألفناها وتعودنا عليها - ومع الأسف - لا تذرف عيوننا دمعة واحدة، كأنما تحولت عيوننا إلى مرايا من زجاج لا تبكي أو تدمع..

ولا أحد يُنكر أن الفضائيات تنشر ليلَ نهارَ مشاهد نساء يبكيْنَ ويصرخْن ويندبْن أطفالهن وأزواجهن الذين أبادهم العدو الصهيوني. ولطالما رأينا أطفالاً ونساءً ورجالاً مطحونين مدفونين تحت ركام بيوتهم جراء العدوان البشاري المجرم الدنيء الذي باع بلاده وشعبه وعرضه للعدو الروسي المستأجر.. تبّاً لذلك السفاح المسخ الذي خلا من أدنى صفات الرجولة والنخوة العربية!

حقيقة إننا نرجو أن نشعر بما يعانيه إخوتنا المسلمون في كل مكان فيجري ذلك النهر المتدفق بالعطاء من كل يد معطاءة للفقراء والمحتاجين.

نرجو أن تكبر وتتفرع شجرة الحب الوارفة في قلوبنا؛ ليستظل تحت أغصانها الممتدة في جوانحنا الضعفاء والمنكوبون واليائسون والمفجوعون. ولن تكبر تلك الشجرة في أعماقنا إلا إذا سقيناها بماء الحب والعطاء وبدموع الشفقة والرحمة.

ليتنا نبكي عندما يقع نظرنا على محزون أو طفل فقد والديه أو على أرملة مات عنها زوجها ولم يترك لها غير صبية صغار، أو على عجوز كبير طحنته رحى الزمن الجائر فتنكر له القريب قبل البعيد، وعقّه أبناؤه قبل أصدقائه! ليتنا نبكي بدموع غزار فما هذه الدموع إلا سطور من نور تكتب على صحيفة الحياة أننا بشر نشعر ونتألم! ولا شك في أن البُعد عن النبع القرآني الذي هو هدى وشفاء للمؤمنين وعدم قراءة وتأمل الصفحات المحمدية الخالدة، وواقع الحياة المرير الذي يجتاحه طوفان المادة ومبدأ المصلحة وأنانية الذات من ضمن الأسباب التي أدّت إلى ما وصلنا إليه من جفاف ينابيع القلوب وانطفاء شموع المحبة والألفة حتى جمدت الدموع في المآقي وتبددت المشاعر وتلونت القلوب حسب ما تقتضيه المصلحة ويفرضه الواقع!

وفي محاولة إلى العودة إلى ينبوع الحب الصافي لنرتشف منه قطرات دافئة رقيقة لأننا بحاجة إلى جرعات من الحب نقاوم بها طوفان الكراهية وبحاجة لترق قلوبنا وتعود إنسانيتنا التي نكاد نفقدها ونحن نلهث وراء سراب المادة.. إليكم هذه القصة الرائعة لرجل فريد من نوعه من طراز رفيع لا يتكرر..

ألا وهو الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي هو أقوى من الليث الهزبر في الحق وأرق من الحمل الوديع عند موقف الرحمة أو الخوف من الله عزّ وجل..

تقول القصة التي أوردها الشيخ الطنطاوي - رحمه الله- في كتابه عن عمر (قَدِم عمر الشام فصُنع له طعام، لم يرَ قبله مثله فقال:

هذا لنا فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟!

قال خالد بن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر وقال: "لئن كان حظنا في هذا الطعام وذهبوا بالجنة، لقد باينونا بونا بعيدا".. رضي الله عنك يا عمر، لقد باينتنا بونا بعيدا.