في مقطع فيديو منتشر يحذر أحد الفضلاء الناس من فتنة المال، ويحثهم على الزهد والتقشف، فالدنيا ممر وليست بدار مقر؛ والغنى – كما يقول - غنى القلب، والقناعة كنز لا يفنى.  الأخ الفاضل لم يأت بجديد ففكرة ذم المال منتشرة بشكل واسع في الكتب الدينية والأدبية وفي كتب الأمثال وفي الشعر العربي أيضا، وهناك قائمة طويلة من المعتقدات والقصص التي يستخدمها الناس كي ينأوا بأنفسهم عن الثروة، ولك أن تدرك أن شخصا بمقام حجة الإسلام الغزالي قد خصص في كتابه إحياء علوم الدين فصلا تحت عنوان (ذم المال وذم البخل).   وقد جوبه أصحاب المال ومن يبحثون عنه بكافة أنواع الازدراء والهمز واللمز وظهر في الآونة الأخيرة مصطلح (أخلاق تجارية) كصفة ذم تعودنا إطلاقها على من نريد الانتقاص منهم، ونسينا أن الإسلام دخل الكثير من الأمصار عن طريق التجار وأخلاق التجار.  وإذا اعترفنا أن السعادة - كما يقولون – لا تشترى بالمال وهذا صحيح، فإن الصحيح أيضا أن المال قادر على شراء (حزن أقل)، وهذا ما توصلت إليه دراسة حديثة أجريت في إحدى الجامعات الكندية – ونشرها موقع الجزيرة نت – تؤكد الدراسة أن الدخل المالي المرتفع لا يرتبط بازدياد مقدار السعادة التي يشعر بها الشخص ولكنه يرتبط بشعوره بالحزن بشكل أقل.   وبعيدا عن الخوض في مسألة هل المال وسيلة أم غاية؛ فإن السعي وراء جمع المال إنما هو جبلة فطر الإنسان عليها، فهو سبيل لتحقيق الأمنيات، وإنه لمن الخير أن يبحث الناس عن المال ويجدوا لطلبه وقد علموا كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.  الإنسان مأمور بالتوسط والاعتدال في طلبه للمال وقد أحسن توفيق الحكيم حينما صور القدر على هيئة رجل بارع يقف في ميدان عام ويلعب بكرات ثلاث وقد كتب على الكرة الأولى (المال) وعلى الثانية (الصحة) وعلى الثالثة (راحة البال).  فما إن يلعب رجل بكرة المال وتستقر في يده كرة الصحة حتى تسقط من يده كرة راحة البال، وما إن يلعب رجل بكرة الصحة وكرة راحة البال حتى تسقط من يده كرة المال فلا يمكن ليد الإنسان أن تلعب بأكثر من كرتين من هذه الكرات الثلاث..!